/م77
{ وجاءه قومه يهرعون إليه} أي جاءوه يهرولون متهيجة أعصابهم كأن سائقا يسوقهم ، قال في المصباح المنير:هرع وأهرع بالبناء فيهما للمفعول إذا أعجل على الإسراع ، أي حمل على العجل به اه .وقال الكسائي والفراء وغيرهما:لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة من برد أو غضب أو حمى اه .وينبغي أن يزاد عليه أو شهوة شديدة ، وقال مجاهد:هو مشي بين الهرولة والعدو{ ومن قبل كانوا يعملون السيئات} ومن قبل هذا المجيء كأن يعملون السيئات الكثيرة وشرها أفظع الفاحشة وأنكر في الفطرة البشرية والشرائع الإلهية والوضعية ، وهي إتيان الرجال شهوة من دون النساء ، ومجاهرتهم بها في أنديتهم كأنها من الفضائل ، يتسابقون إليها ويتبارون فيها ، كما حكى الله عنه من قوله بعد رميهم بالفاحشة{ أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر} [ العنكبوت:29] فماذا فعل لوط وبم واجههم وعارضهم ؟
{ قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} فتزوجوهن ، قيل أراد بناته من صلبه ، وأنه سمح بتزويجهم بهن بعد امتناع لصرفهم عن أضيافه ، وقيل أراد بنات قومه في جملتهن ، لأن النبي في قومه كالولد في عشيرته ، قاله ابن عباس{ رضي الله عنه] ومجاهد وسعيد بن جبير ، ويدخل فيه نساؤهم المدخول بهن وغيرهن من المعدات للزواج ، يعني أن الاستمتاع بهن بالزواج أطهر من التلوث برجس اللواط ، فإنه يكبح جماح الشهوة مع الأمن من الفساد ، وصيغة التفضيل هنا للمبالغة في الطهر فلا مفهوم لها ، وهذا كثير في اللغة ويقول النحويون فيه:إن أفعل التفضيل على غير بابه ، والظاهر أنه يأمرهم في هذه الحال الذي هاجت فيه شهوتهم واشتد سبقهم ، أن يأتوا نساءهم كما ورد في الإرشاد النبوي لمن رأى امرأة أعجبته أن يأتي امرأته في تلك الحالة التي هاجته فيها رؤيتها .
وزعم بعض المفسرين أنه عليه السلام عرض على هؤلاء الفساق المجرمين بناته أن يستمتعوا بهن كما يشاءون ، ومثل هذا في سفر التكوين [ 19:8] وفيه أنهما اثنتان ، ولا يعقل أن يقع هذا الأمر من أي رجل صالح فضلا عن نبي مرسل ، ولا يصح في مثله أن يعبر عنه بأنه أطهر لهم ، فغسل الدم بالبول ليس من الطهارة في شيء ، وإن كان يعتقد أنهم لا يجيبونه إلى هذا الفعل ، بل الذنب في هذه الحال أكبر ، لأنه أمر بالمنكر ، وخروج عن الحكم الشرعي ، إيثارا للتجمل الشخصي ، وهو لا يتعارض مع قوله لهم بعده{ فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي} فإن الزنا ليس من التقوى بل هو هدم لها ، وإنما معنى هذا الأمر والنهي:فاجمعوا بما أمرتكم به بين تقوى الله باجتناب الفاحشة ، وبين حفظ كرامتي وعدم إذلالي وامتهاني بفضيحتي في ضيفي فإن فضيحة الضيف فضيحة للمضيف وإهانة له ، ولفظ الضيف يطلق على الواحد والمثنى والجمع .
{ أليس منكم رجل رشيد} ذو رشد يعقل هذا فيرشدكم إليه ؟