ثم ختم جل ثناؤه آيات الربا بهذه الموعظة العامة التي تسهل على المؤمن إذا وعاها السماح بالمال بل وبالنفس رجاء أن يلقى الله تعالى على أحسن حال من الفضل والكمال فقال:
{ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} قرأ أبو عمرو ويعقوب ( ترجعون ) بفتح الفاء وكسر الجيم من رجع والباقون ( ترجعون ) بضم التاء وفتح الجيم من أرجع بالبناء للمفعول .أي واحذروا يوما عظيما ترجعون فيه من غفلاتكم وشواغل الحياة الجسدية التي تشغلكم عن مراقبة الله فتصيرون إلى الله أي إلى الاستغراق في العلم والشعور بأنه لا سلطان إلا سلطانه ولا ملك إلا له .
ذكر معنى ذلك الأستاذ الإمام وقال معناه مبسوطا{[275]}:أما حقيقة الرجوع فلا تصح هنا لأننا ما غبنا عن الله طرفة عين ولا يمكن أن نغيب عنه فنرجع إليه ، ولكن الإنسان في غفلته وشغله بشؤونه الحيوانية يتوهم أن له استقلالا تاما بنفسه وأن له رؤساء وأمراء يخافهم ويرجوهم ، ويرى أنه تعرض له حاجات وضرورات يجب عليه أن يستعد لها بتكثير المال وجمعه من حرام وحلال .فأمثال هذه الخواطر تكون له شغلا شاغلا ربما يستغرق وقته فيصرفه عن التفكر في منافع التسامح في معاملة الناس والتصدق على المحتاج منهم ، فكان أنفع دواء لمرض انصراف النفس عن التفكر في سلطان الله وقدرته ، والتقرب إليه بما فيه تمام حكمته ، التذكير بيوم القيامة الذي تبطل فيه هذه الشواغل ، وتتلاشى هذه الصوارف ، حتى لا يشغل الإنسان فيه شيء ما عن الله تعالى وما أعده من الجزاء للعباد على قدرة أعمالهم .ولذلك قال بعد التذكير بالرجوع إليه{ ثم توفى كل نفس ما كسبت} أي تجازى على ما عملت في الدنيا جزاء وافيا{ وهم لا يظلمون} أي لا ينقصون من أجورهم شيئا بل قد يزاد المحسنون منهم فيعطون أكثر مما يستحقون على إحسانهم كما ثبت في آيات أخرى .
أخرج البخاري عن ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الربا{[276]} .وأخرج البيهقي عن عمر مثله .قال في الإتقان:والمراد بها{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} وعند أحمد وابن ماجة عن عمر .من آخر ما نزل آية الربا:وعند ابن مردوية عن أبي سعيد الخدري قال:خطبنا عمر فقال:إن من آخر القرآن نزولا آية الربا .وأخرج النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال:آخر شيء نزل من القرآن{ واتقوا يوما ترجعون فيه} الآية .وأخرج ابن مردوية نحوه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ:آخر آية نزلت .وأخرجه ابن جرير من طريق العوفي والضحاك عن ابن عباس .وقال الفريابي في تفسيره حدثنا سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال آخر آية نزلت:{ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون يوما .ثم ذكر في الإتقان مثله عن سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم إلا أنه قال عاش بعد نزول هذه الآية تسع ليال ومثله عن ابن جريج عند ابن جرير .
وعن ابن شهاب عند أبي عبيد أن آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين .وعن سعيد بن المسيب عند ابن جرير مثل هذا اللفظ في آية الدين فقط .قال السيوطي بعد ذلك:ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا{ واتقوا يوما} وآية الدين لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف ، ولأنها في قصة واحدة ، فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر وذلك صحيح اه .أي إن كل مخبر ذكر ذلك في سياق يقتضيه .
وقيل غير ما ذكر في آخر القرآن نزولا وفي مدة بقاءه صلى الله عليه وسلم بعد نزول{ واتقوا يوما} الآية .وورد أنه قال"اجعلوها بين آية الربا وآية الدين "وفي رواية أخرى"جاءني جبريل فقال اجعلوها على رأس مائتين وثمانين آية من البقرة "وهكذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم في ترتيب الآيات .
/خ281