ثم بين تعالى في مقابلة ذلك مأوى المؤمنين ليعلموا أنهم في القسمة غير مغبونين فقال:
( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله ) قالوا إن بيان النزل ما يهيأ للضيف النازل وقيل:أول ما يهيأ له وخصه الراغب بالزاد .قال الفراء نصب"نزلا "على التفسير كما تقول:هو لك هبة وبيعا وصدقة .وإذا كانت الجنات نزلا وهي النعيم الجسماني فلا جرم يكون التعميم الروحاني رضوان الله الأكبر أعظم من الجنة ونعيمها أضعافا مضاعفة .وقد وعدهم هذا الجزاء على التقوى التي يتضمن معناها ترك المعاصي وفعل الطاعات .ثم أشار إلى أن النعيم الروحاني يكون بمحض الفضل والإحسان للأبرار فقال:( وما عند الله ) من الكرامة الزائدة على هذا النزل الذي هو بعض ما عنده وأول ما يقدمه لعباده المتقين ( خير للأبرار ) وأفضل مما يتقلب فيه الذين كفروا من متاع فان ، بل ومما يحظى به المتقون من نزل الجنان .وهذا الذي قلناه أولى من القول بأن ما عند الله للأبرار هو عين ذلك النزل الذي قال إنه من عنده ، لأن نكتة وضع المظهر وهو قوله تعالى:( وما عند الله ) موضع المضمر الذي كان ينبغي أن يعبر به لو كان هذا عين ذاك تظهر على هذا ظهورا لا تكلف فيه .وبه ينجلي الفرق بين الذين اتقوا وبين الأبرار ، فإن الأبرار جمع بار أو بر وهو المتصف بالبر الذي بيّنه الله تعالى في سورة البقرة بقوله:( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ) [ البقرة:175] وقد أشرنا إليه في آيات الدعاء القريبة ( راجعه ثانية في ج 2 تفسير ) فشرح البر بما ذكر في تلك الآية يؤيد ما ذكره الراغب من أنه مشتق من البر ( بالفتح ) المقابل للبحر وأنه يقيد التوسع في فعل الخير فهو إذا أدل على الكمال من التقوى التي هي عبارة عن ترك أسباب السخط والعقوبة ، وتحصل بترك المحرمات وفعل الفرائض من غير توسع في نوافل الخيرات .وذكر جزاء المؤمنين بقسميهم – الذين اتقوا والأبرار – بلفظ الاستدراك للتنصيص على ما ذكرناه من المقابلة بينهم وبين الذين كفروا كما قلنا .