/م97
{ أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} يقال هداه السبيل أو الشيء وهداه له وهداه إليه – إذا دله عليه وبينه له ، وأهل الغور من العرب كانوا يقولون هدى له الشيء بمعنى بينه له ، نقله في ( لسان العرب ) وذكر أنه قد فسر به ما في الآية وأمثالها .وهذا التعبير ورد في سياق النفي والاستفهام .ومثله في سورة طه{ أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إنّ في ذلك لآيات لأولي النّهى} [ طه:128] وفي سورة{ ألم السجدة}{ أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إنّ في ذلك لآيات أفلا يسمعون} [ السجدة:26] والسياق الذي وردت فيه آية الأعراف التي نفسرها مثل السياق الذي وردت فيه آيتا طه والسجدة .والاستفهام هنا داخل على فعل محذوف عطف عليه ما بعده كما سبق في نظائره وللتقدير وجوه كلها تقيد العبرة فهو مما تذهب النفس فيه مذاهب من أقربها أن يقال:أكان مجهولا ما ذكر آنفا عن أهل القرون وسنة الله تعالى فيهم ، ولم يبيَّن للذين يرثون الأرض من بعد أهلها قرنا بعد قرن وجيلا في أثر جيل – أو لم يتبين لهم به- أن شأننا فيهم كشأننا فيمن سبقهم:وهوانهم خاضعون لمشيئتنا فلو نشاء أن نصيبهم ونعذبهم بسبب ذنوبهم أصبناهم كما أصبنا أمثالهم من قبلهم بمثلها ؟ وقوله تعالى:{ ونطبع على قلوبهم} معطوف على"أصبناهم "لأنه بمعنى نصيبهم ، إذ الكلام في الذين يرثون الأرض في العصر الحالي أو المستقبل على الإطلاق وليس في قوم معينين طبع الله على قلوبهم بالفعل كما ظن الزمخشري وغيره فمنعوا هذا العطف وقالوا المعنى:ونحن نطبع على قلوبهم .والمراد أنه ينبغي لمن يستخلفهم الله في الأرض ، ويرثون ما كان لمن قبلهم من الملك والملك ، أن يتقوا الله ولا يكونوا من المفسدين الظالمين ، ولا من المترفين الفاسقين ، وأن يعلموا أن من المحتم عقاب الأمم على السيئات وقد خلت من قبلهم المثلات ، فلم يكن ما حل بمن قبلهم من المصادفات ، بل هو من السنن المطردة بالمشيئة والاختيار ، فلا هوادة ولا ظلم ولا محاباة .
والناس في ذلك فريقان:فريق يصاب بذنبه ، فيتعظ ويتوب إلى ربه ، وفريق يصر عليه حتى يطبع على قلبه ، وهو مستعار من طبع السكة ونقشها بصورة أو كتابة لا تقبل غيرها أو من الطبع الذي بمعنى الختم كقوله تعالى:{ ختم الله على قلوبهم} [ البقرة:7] والطابع والخاتم ( بفتح الباء والتاء ) واحد .وقيل إنه مأخوذ من الطبع ( بالتحريك ) وهو الصدأ الشديد يعرض للسيف ونحوه فيفسده .يقال طبع الطباع السيف والدرهم –أي ضربه ، وطبع الكتاب وعلى الكتاب وختمه إذا ضرب عليه الطابع والخاتم بعد إتمامه ووضعه في ظرفه حتى لا يدخل فيه شيء آخر .ومنه الطبع والطبيعة وهي الصفة الثابتة للشيء أو الشخص ، فالسجية نقش النفس بصورة ثابتة لا تتغير لأن ما يتغير لا يسمى طبيعة .ومنه طبع الكتب في الآلة المعروفة بالمطبعة سمي بذلك لأنه لا يقبل المحو والتغيير كالخط ، على أن الناس قد صنعوا أحبارا لا تمحى أيضا .
ولا يستعمل الطبع على القلوب إلا في الشر والمراد به إنها وصلت من الفساد إلى حالة لا تقبل معها خيرا كالهدى والإيمان والعلم النافع الذي هو فقه الأمور ولبابها ، وإنما يحصل بالإصرار على الشرور والمعاصي استحلالا واستحسانا لها ، حتى لا يعود في النفس موضع لغيرها ، قال تعالى في اليهود:{ فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه وقتلهم الأنبياء بغير حقّ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلّا قليلا} [ النساء:155] أي إلا قليلا منهم وهم الذين لم يطبع على قلوبهم .وقال تعالى في المنافقين{ وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} [ التوبة:87] ومثله في سورتهم .وقال هنا{ فهم لا يسمعون} أي فهم بهذا الطبع لا يسمعون الحكم والنصائح سماع تفقه وتدبر واتعاظ ،{ وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} [ يونس:101] ما يراد هنا ، لأن قلوبهم قد ملئت بما يشغلهم عنها ، من آراء وأفكار وشهوات ملكت عليها أمرها ، حتى صرفتهم عن غيرها ، فجعلتهم من{ الأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [ الكهف:103 ، 104] .
/خ100