/م181
قال تعالى:
{ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} هذه الجملة معطوفة على جملة{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} [ الأعراف:179] وكلتاهما تفصيل لإجماله قوله تعالى:{ من يهد الله فهو المهتد} [ الأعراف:178] الخ بدأه ببيان حال من أضلهم وهم الذين أهملوا استعمال قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم في فقه آيات الله ، وأنهم كثيرون ، ولكنه ما سماهم أمة ، لأنهم لا تجمعهم في الضلال جامعة ، ولأن الباطل كثير وسبله متفرقة .ثم ذكر هنا حال من هداهم الله تعالى وهو أنهم أمة أي جماعة كبيرة ، مؤلفة من شعوب وقبائل كثيرة ، يهدون بالحق وبه دون غيره يعدلون ، فسبيلهم واحدة لأن الحق واحد لا يتعدد ، وهؤلاء هم أمة محمد ، صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد تقدم تفسير هذا التركيب في قوله تعالى:{ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [ الأعراف:159] فليراجع فهو قريب فهاتان الآيتان متقابلتان لقرب الشبه بين أمة موسى وأمة محمد عليهما الصلاة والسلام كقرب الشبه بينهما وقد تقدم بيانه أيضا وإنما قال:{ وممن خلقنا} الخ لمناسبة قوله في مقابله{ ولقد ذرأنا} أي خلقنا ، فهنالك يقول ذرأنا لجهنم من صفتهم كذا ، وهنا يقول وممن خلقنا أي للجنة أمة صفتهم كذا وكذا .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جرير في قوله تعالى:{ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق} قال ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( هذه أمتي ، بالحق يحكمون ويقضون ، ويأخذون ويعطون ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فيها قال:بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها ( هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها:{ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال:لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة:يقول الله:{ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} فهذه هي التي تنجو من هذه الأمة .اه ومعلوم أن الشق الأول من هذا الأثر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره علي رضي الله عنه ليفسر به الفرقة الناجية .وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات بأنها هي التي تستقيم على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ، ومعنى التفسيرين واحد في مآلهما والمراد منه أمة الإجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم .
/خ186