قوله تعالى : { وإذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ واصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ } . قيل : في قوله : { اصْطَفَاكِ } : " اختارك بالتفضيل على نساء العالمين في زمانهم " يُرْوَى ذلك عن الحسن وابن جريج . وقال غيرهما : " معناه أنه اختارك على نساء العالمين بحال جليلة من ولادة المسيح " . وقال الحسن ومجاهد : " وطهرك من الكفر بالإيمان " . قال أبو بكر : هذا سائغٌ ، كما جاز إطلاق اسم النجاسة على الكافر لأجل الكفر في قوله تعالى : { إنما المشركون نجس } [ التوبة : 28 ] والمراد نجاسة الكفر ، فكذلك يكون { وَطَهَّرَكِ } بطهارة الإيمان . ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّ المُؤْمِنَ لَيْسَ بِنَجِسٍ " ، يعني به نجاسة الكفر ، وهو كقوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أَهل البيت ويطهركم تطهيراً }
[ الأحزاب :33 ] والمراد طهارة الإيمان والطاعات . وقيل : إن المراد " وطهّرك من سائر الأنجاس من الحَيْضِ والنّفاس وغيرهما " .
وقد اختُلف في وجه تطهير الملائكة لمريم وإن لم تكن نبية ، لأن الله تعالى قال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم } [ يوسف :109 ] فقال قائل : " كان ذلك معجزةً لزكريا عليه السلام " . وقال آخرون : " على وجه إرهاص نبوة المسيح ، كحال الشهب وإظلال الغمامة ونحو ذلك مما كان لنبينا صلى الله عليه وسلم قبل المبعث " .