قال الله تعالى : { هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } إلى آخر القصة . قال الشيخ أبو بكر : قد بيّنا في صدر الكتاب معنى المُحْكَم والمتشابه ، وأن كل واحد منهما ينقسم إلى معنيين : أحدهما يصح وصف القرآن بجميعه ، والآخر إنما يختص به بعض القرآن دون بعض ؛ قال الله تعالى : { الر كتاب أحكمت آياته } [ هود :1 ] وقال تعالى : { الر تلك آيات الكتاب الحكيم } [ يونس : 1 ] فوصف جميع القرآن في هذه المواضع بالإحكام ؛ وقال تعالى : { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني } [ الزمر : 23 ] فوصف جميعه بالمتشابه ، ثم قال في موضع آخر : { هُوَ الّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } فوصف ههنا بعضه بأنه محكم وبعضه بأنه متشابه ؛ والإحكام الذي عمَّ به الجميع هو الصواب والإتقان اللذان يفضل بهما القرآن كل قول . وأما موضع الخصوص في قوله تعالى : { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ } فإن المراد به اللفظ الذي لا اشتراك فيه ولا يحتمل عند سامعه إلا معنى واحداً ، وقد ذكرنا اختلاف الناس فيه إلا أن هذا المعنى لا محالة قد انتظمه لفظ الإحكام المذكور في هذه الآية ، وهو الذي جعل أُمّاً للمتشابه الذي يرد إليه ويحمل معناه عليه . وأما المتشابه الذي عمّ به جميع القرآن في قوله تعالى : { كتاباً متشابهاً } [ الزمر : 23 ] فهو التماثُلُ ونفيُ الاختلاف والتضاد عنه . وأما المتشابه المخصوص به بعض القرآن فقد ذكرنا أقاويل السلف فيه ؛ وما رُوي عن ابن عباس " أن المحكم هو الناسخ والمتشابه هو المنسوخ " فهذا عندنا هو أحد أقسام المحكم والمتشابه ؛ لأنه لم يَنْفِ أن يكون للمحكم والمتشابه وجوه غيرهما . وجائز أن يسمَّى الناسخُ محكماً لأنه ثابت الحكم ، والعرب تسمي البناء الوثيق محكماً ، ويقولون في العقد الوثيق الذي لا يمكن حلّه محكماً ، فجائز أن يسمَّى الناسخ محكماً ، إذْ كانت صفته الثبات والبقاء ، ويسمَّى المنسوخ متشابهاً من حيث أشبه في التلاوة المحكم وخالفه في ثبوت الحكم فيشتبه على التالي حكمه في ثبوته ونسخه ، فمن هذا الوجه جائز أن يسمَّى المنسوخ متشابهاً . وأما قول من قال : إن المحكم هو الذي لم تتكرر ألفاظه والمتشابه هو الذي تتكرر ألفاظه ؛ فإن اشتباه هذا من جهة اشتباه وجه الحكمة فيه على السامع ، وهذا سائغ عام في جميع ما يشتبه فيه وجه الحكمة فيه على السامع إلى أن يتبينه ويتضح له وجهه ؛ فهذا مما يجوز فيه إطلاق اسم المتشابه . وما لا يشتبه فيه وجه الحكمة على السامع فهو المحكم الذي لا تشابه فيه على قول هذا القائل ، فهذا أيضاً أحد وجوه المحكم والمتشابه وإطلاق الاسم فيه سائغ جائز . وأما ما رُوي عن جابر بن عبدالله أن المحكم ما يعلم تعيين تأويله والمتشابه ما لا يعلم تعيين تأويله ، كقوله تعالى : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } [ الأعراف : 187 ] وما جرى مجرى ذلك ، فإن إطلاق اسم المحكم والمتشابه سائغٌ فيه ؛ لأن ما عُلِمَ وقته ومعناه فلا تشابه فيه وقد أُحكم بيانه ، وما لا يعلم تأويله ومعناه ووقته فهو مشتبه على سامعه فجائز أن يسمَّى بهذا الاسم . فجميع هذه الوجوه يحتمله اللفظ على ما رُوي فيه ، ولولا احتمال اللفظ لما ذكروا لما تأوّلوه عليه . وما ذكرناه من قول من قال إن المحكم هو ما لا يحتمل إلاّ معنى واحداً والمتشابه ما يحتمل معنيين ، فهو أحد الوجوه الذي ينتظمها هذا الاسم ؛ لأن المحكم من هذا القسم سُمّي محكماً لإحكام دلالته وإيضاح معناه وإبانته ، والمتشابه منه سُمّي بذلك لأنه أشْبَهَ المحكم من وجه واحتمل معناه وأشبه غيره مما يخالف معناه معنى المحكم فسُمّي متشابهاً من هذا الوجه . فلما كان المحكم والمتشابه يَعْتَوِرُهُما ما ذكرنا من المعاني احتجنا إلى معرفة المراد منها بقوله تعالى : { مِنْهُ آياتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فأمّا الّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } ، مع عِلْمِنا بما في مضمون هذه الآية وفحواها من وجوب رَدِّ المتشابه إلى المحكم وحمله على معناه دون حمله على ما يخالفه ، لقوله تعالى في صفة المحكمات : { هُنَّ أمّ الكِتَابِ } والأمُّ هي التي منها ابتداؤه وإليها مرجعه ، فسمّاها أُمّاً ، فاقتضى ذلك بناء المتشابه عليها وردّه إليها . ثم أكّد ذلك بقوله : { فأمّا الّذين في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ ما تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } فوصف متبع المتشابه من غير حَمْلِهِ له على معنى المحكم بالزيغ في قلبه ، وأعلمنا أنه مبتغ للفتنة ، وهي الكفر والضلال في هذا الموضع كما قال تعالى : { والفتنة أشد من القتل } [ البقرة : 191 ] يعني والله أعلم : الكفر ؛ فأخبر أن متبع المتشابه وحامله على مخالفة المحكم في قلبه زَيْغٌ يعني الميل عن الحق يستدعي غيره بالمتشابه إلى الضلال والكفر ؛ فثبت بذلك أن المراد بالمتشابه المذكور في هذه الآية هو اللفظ المحتمل للمعاني الذي يجب ردّه إلى المحكم وحمله على معناه . ثم نَظَرْنا بعد ذلك في المعاني التي تَعْتَوِرُ هذا اللفظ وتتعاقب عليه مما قَدَّمْنا ذكره في أقسام المتشابه عن القائلين بها على اختلافها مع احتمال اللفظ ، فوجدنا قول من قال بأنه الناسخ والمنسوخ ، فإنه إن كان تاريخهما معلوماً فلا اشتباه فيهما على من حصل له العلم بتاريخهما وعلم يقيناً أن المنسوخ متروك الحكم وأن الناسخ ثابت الحكم ، فليس فيهما ما يقع فيه اشتباه على السامع العالم بتاريخ الحُكْمَيْن اللذين لا احتمال فيهما لغير النسخ . وإن اشتبه على السامع من حيث إنه لم يعلم التاريخ ، فهذا ليس أحد اللفظين أوْلى بكونه محكماً من الآخر ولا بكونه متشابهاً منه ، إذْ كل واحد منهما يحتمل أن يكون ناسخاً ويحتمل أن يكون منسوخاً ؛ فهذا لا مدخل له في قوله تعالى : { مِنْهُ آياتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } .
وأما قول من قال : " إن المحكم ما لم يتكرر لفظه والمتشابه ما تكرر لفظه " فهذا أيضاً لا مدخل له في هذه الآية ؛ لأنه لا يحتاج إلى ردّه إلى المحكم ، وإنما يحتاج إلى تدبُّرِه بعقله وحمله على ما في اللغة من تجويزه .
وأما قول من قال : " إن المحكم ما عُلم وقته وتعيينه والمتشابه ما لا يُعلم تعيين تأويله ، كأمر الساعة وصغائر الذنوب التي آيَسَنا الله من وقوع علمنا بها في الدنيا " وإن هذا الضرْب أيضاً منها خارج عن حكم هذه الآية لأننا لا نصل إلى علم معنى المتشابه برده إلى المحكم . فلم يَبْقَ من الوجوه التي ذكرنا من أقسام المحكم والمتشابه مما يجب بناء أحدهما على الآخر وحَمْلُه على معناه إلاّ الوجه الأخير الذي قلنا ، وهو أن يكون المتشابه اللفظ المحتمل للمعاني ، فيجب حمله على المحكم الذي لا احتمال فيه ولا اشتراك في لفظه من نظائر ما قدمنا في صدر الكتاب وبينا أنه ينقسم إلى وجهين من العقليات والسمعيات . وليس يمتنع أن تكون الوجوه التي ذكرناها عن السلف على اختلافها يتناولها الاسم على ما رُوي عنهم فيه لما بيّنا من وجوهها ، ويكون الوجه الذي يجب حمله على المحكم هو هذا الوجه الأخير لامتناع إمكان حمل سائر وجوه المتشابه على المحكم على ما تقدم من بيانه ؛ ثم يكون قوله تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ } معناه تأويل جميع المتشابه حتى لا يستوعب غيره علمها ، فنفى إحاطة علمنا بجميع معاني المتشابهات من الآيات ولم يَنْفِ بذلك أن نعلم نحن بعضها بإقامته لنا الدلالة عليه كما قال تعالى : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } [ البقرة : 255 ] لأن في فَحْوَى الآية ما قد دلّ على أنا نعلم بعض المتشابه برده إلى المحكم وحمله على معناه على ما بينا من ذلك ، ويستحيل أن تدل الآية على وجوب ردّه إلى المحكم . وتدل أيضاً على أنّا لا نصل إلى علمه ومعرفته ؛ فإذاً ينبغي أن يكون قوله تعالى : { ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللهُ } غير نافٍ لوقوع العلم ببعض المتشابه ، فمما لا يجوز وقوع العلم لنا به وقت الساعة والذنوب الصغائر . ومن الناس من يُجَوِّزُ ورود لفظ مجمل في حكم يقتضي البيان ولا يبيِّنُه أبداً ، فيكون في حيز المتشابه الذي لا نصل إلى العلم به .
وقد اختلف أهل العلم في معنى قوله : { وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا الله والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ } ، فمنهم من جعل تمام الكلام عند قوله تعالى : { والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ } ، وجعل الواو التي في قوله : { والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ } للجمع ، كقول القائل : لقيت زيداً وعمراً ، وما جرى مجراه . ومنهم من جعل تمام الكلام عند قوله : { وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا الله } وجعل الواو للاستقبال وابتداء خطاب غير متعلق بالأول . فمن قال بالقول الأول جعل الراسخين في العلم عالِمِينَ ببعض المتشابه وغير عالمين بجميعه ؛ وقد رُوي نحوه عن عائشة والحسن . وقال مجاهد فيما رواه ابن أبي نجيح في قوله تعالى : { فأمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } يعني شَكّاً { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } : الشبهات بما هلكوا ، لكن الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنّا به . ورُوي عن ابن عباس : ويقول الراسخون في العلم ؛ وكذلك رُوي عن عمر بن عبدالعزيز . وقد رُوي عن ابن عباس أيضاً : وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يعلمونه قائلين آمنّا به ؛ وعن الربيع بن أنس مثله . والذي يقتضيه اللفظ على ما فيه من الاحتمال أن يكون تقديره : " وما يعلم تأويله إلا الله " يعني تأويل جميع المتشابه على ما بَيَّنَّا ، " والراسخون في العلم يعلمون بعضه قائلين آمنّا به كلّ من عند ربنا " ، يعني ما نُصِبَ لهم من الدلالة عليه في بنائه على المحكم وردّه إليه وما لم يجعل لهم سبيلاً إلى علمه من نحو ما وصفنا ، فإذا علموا تأويل بعضه ولم يعلموا البعض قالوا آمنّا بالجميع كلٌّ من عند ربنا ، وما أخْفَى عنا علم ما غاب عنا علمه إلا لعلمه تعالى بما فيه من المصلحة لنا وما هو خير لنا في ديننا ودنيانا ، وما أعْلَمَنَا وما يُعْلِمنَاهُ إلا لمصلحتنا ونفعنا ؛ فيعترفون بصحة الجميع والتصديق بما علموا منه وما لم يعلموه .
ومن الناس من يظن أنه لا يجوز إلاّ أن يكون منتهى الكلام وتمامه عند قوله تعالى : { وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللهُ } وأن " الواو " للاستقبال دون الجمع ؛ لأنها لو كانت للجمع لقال : ويقولون آمنا به ويستأنف ذكر الواو لاستئناف الخبر . وقال من ذهب إلى القول الأول : هذا سائغ في اللغة وقد وجد مثله في القرآن ، وهو قوله تعالى في بيان قَسْمِ الفيء : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول } [ الحشر : 7 ] إلى قوله تعالى : { شديد العقاب } [ الحشر : 8 ] ثم تلاه بالتفصيل وتسمية من يستحق هذا الفيء فقال : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً } إلى قوله تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم } [ الحشر : 10 ] وهم لا محالة داخلون في استحقاق الفيء كالأولين ، والواو فيه للجمع ، ثم قال تعالى : { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } [ الحشر : 10 ] معناه : قائلين ربنا اغفر لنا ولإخواننا ؛ كذلك قوله تعالى : { والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ } ، معناه : والراسخون في العلم يعلمون تأويل ما نُصِبَ لهم الدلالة عليه من المتشابه ، قائلين : ربنا آمنّا به ؛ فصاروا معطوفين على ما قبله داخلين في حَيِّزِهِ ؛ وقد وجد مثله في الشعر ، قال يزيد بن مفرغ الحميري :
* وَشَرَيْتُ بُرْداً لَيْتَني * مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ *
* فالرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَهُ * والبَرْقُ يَلْمَعُ في الغَمَامَهْ *
والمعنى : والبرق يبكي شجوه لامعاً في الغمامة . وإذا كان ذلك سائغاً في اللغة وجب حمله على موافقة دلالة الآية في وجوب ردِّ المتشابه إلى المحكم ، فيعلم الراسخون في العلم تأويله إذا استدلّوا بالمحكم على معناه . ومن جهة أخرى أن " الواو " لما كانت حقيقتها الجمع فالواجب حملها على حقيقتها ومقتضاها ، ولا يجوز حملها على الابتداء إلاّ بدلالة ، ولا دلالة معنا توجب صرفها عن الحقيقة ، فوجب استعمالها على الجمع .
فإن قيل : إذا كان استعمال المحكم مقيداً بما في العقل ، وقد يمكن كل مبطل أن يدَّعي ذلك لنفسه فيبطل فائدة الاحتجاج بالمحكم . قيل له : إنّما هو مقيد بما هو في تعارف العقول ، فيكون اللفظ مطابقاً لما تعارفه العقلاء من أهل اللغة ، ولا يحتاج في استعمال حكم العقل فيه إلى مقدمات بل يوقع العلم لسامعه بمعنى مراده على الوجه الذي هو ثابت في عقول العقلاء دون عادات فاسدة قد جَرَوْا عليها ، فما كان كذلك فهو المحكم الذي لا يحتمل معناه إلا مقتضى لفظه وحقيقته ، فأما العادات الفاسدة فلا اعتبار بها .
فإن قيل : كيف وجه اتباع من في قلبه زَيْغ ما تشابه منه دون ما أُحكم ؟ قيل له : نحو ما رَوَى الربيع بن أنس أن هذه الآية نزلت في وفد نجران لمّا حاجُّوا النبي صلى الله عليه وسلم في المسيح فقالوا : أليس هو كلمة الله وروح منه ؟ فقال : " بلى " فقالوا : " حَسْبُنا ! فأنزل الله { فأمّا الّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ مِنْهُ } ، ثم أنزل الله تعالى : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } [ آل عمران : 59 ] فصرفوا قوله : " كلمة الله " إلى ما يقولونه في قِدَمِهِ مع الله وروحه ، صرفوه إلى أنه جزء منه قديم معه كروح الإنسان . وإنما أراد الله تعالى بقوله : " كلمته " أنه بشَّرَ به في كتب الأنبياء المتقدمين ، فسماه كلمة من حيث قدم البشارة به ، وسماه روحه لأن الله تعالى خلقه من غير ذَكَر بل أَمَر جبريل عليه السلام فنفخ في جَيْب مريم عليها السلام ؛ وأضافه إلى نفسه تعالى تشريفاً له ، كبيت الله وسماء الله وأرضه ونحو ذلك . وقيل إنه سماه روحاً كما سمَّى القرآن روحاً بقوله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى : 52 ] ، وإنما سمّاه رُوحاً من حيث كان فيه حياة الناس في أمور دينهم ؛ فصرف أهل الزيغ ذلك إلى مذاهبهم الفاسدة وإلى ما يعتقدونه من الكفر والضلال . وقال قتادة : أهل الزيغ المتبعون للمتشابه منه هم الحرورية والسبائية .