قوله تعالى : { يُرِيدُ الله أنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفاً } . التخفيف هو تسهيل التكليف وهو خلاف التثقيل ، وهو نظير قوله تعالى : { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } [ الأعراف : 157 ] ، وقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [ البقرة : 185 ] ، وقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } [ الحج : 78 ] ، وقوله تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } [ المائدة : 6 ] ؛ فنفى الضّيقَ والثقلَ والحرجَ عنا في هذه الآيات . ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم : " جِئْتُكُمْ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ " ، وذلك لأنه وإن حرَّم علينا ما ذكر تحريمه من النساء فقد أباح لنا غيرهن من سائر النساء تارة بنكاح وتارة بملك يمين ، وكذلك سائر المحرمات قد أباح لنا من جنسها أضعاف ما حظر فجعل لنا مندوحة عن الحرام بما أباح من الحلال .
مطلب : في المعنى المراد من قول ابن مسعود : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم
وعلى هذا المعنى ما رُوي عن عبدالله بن مسعود : " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم " يعني أنه لم يقتصر بالشفاء على المحرمات بل جعل لنا مندوحةً وغِنًى عن المحرمات بما أباحه لنا من الأغذية والأدوية حتى لا يضرَّنا فَقْدُ ما حرم في أمور دنيانا . وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما .
وهذه الآيات يُحْتَجُّ بها في المصير إلى التخفيف فيما اختلف فيه الفقهاء وسوَّغوا فيه الاجتهاد ، وفيه الدلالة على بطلان مذهب المجبرة في قولهم إن الله يكلف العباد ما لا يطيقون ؛ لإخباره بأنه يريد التخفيف عنا ، وتكليفُ ما لا يطاق غاية التثقيل ، والله أعلم بمعاني كتابه .