باب الإشهاد على الرجعة أو الفرقة
قال الله تعالى : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فأمر بالإشهاد على الرجعة والفرقة أيتهما اختار الزوج ؛ وقد رُوي عن عمران بن حُصَيْنٍ وطاوس وإبراهيم وأبو قلابة أنه إذا رجع ولم يشهد فالرجعة صحيحة ويشهد بعد ذلك . قال أبو بكر : لما جعل له الإمساك أو الفراق ثم عقبه بذكر الإشهاد كان معلوماً وقوع الرجعة إذا رجع وجواز الإشهاد بعدها إذْ لم يجعل الإشهاد شرطاً في الرجعة . ولم يختلف الفقهاء في أن المراد بالفراق المذكور في الآية إنما هو تركها حتى تنقضي عدتها وأن الفرقة تصحّ وإن لم يقع الإشهاد عليها ويشهد بعد ذلك ، وقد ذكر الإشهاد عقيب الفرقة ثم لم يكن شرطاً في صحتها ، كذلك الرجعة . وأيضاً لما كانت الفرقة حقّاً له وجازت بغير إشهاد إذْ لا يحتاج فيها إلى رضا غيره وكانت الرجعة أيضاً حقّاً له ، وجب أن تجوز بغير إشهاد . وأيضاً لما أمر الله بالإشهاد على الإمساك أو الفرقة احتياطاً لهما ونفياً للتهمة عنهما إذا علم الطلاق ولم يعلم الرجعة أو لم يعلم الطلاق والفراق ، فلا يؤمن التجاحد بينهما ، ولم يكن معنى الاحتياط فيهما مقصوراً على الإشهاد في حال الرجعة أو الفرقة بل يكون الاحتياط باقياً ، وإن أشهد بعدهما وجب أن لا يختلف حكمهما إذا أشهد بعد الرجعة بساعة أو ساعتين ؛ ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في صحة وقوع الرجعة بغير شهود إلا شيئاً يروى عن عطاء ، فإن سفيان رَوَى عن ابن جريج عن عطاء قال : " الطلاق والنكاح والرجعة بالبيّنة " ، وهذا محمول على أنه مأمور بالإشهاد على ذلك احتياطاً من التجاحد لا على أن الرجعة لا تصح بغير شهود ، ألا ترى أنه ذكر الطلاق معها ولا يشكّ أحدٌ في وقوع الطلاق بغير بينة ؟ وقد رَوَى شعبة عن مطر الورّاق عن عطاء والحكم قالا : " إذا غَشِيَها في العدة فغشيانه رجعة " .
وقوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الشهادة لله } فيه أمرٌ بإقامة الشهادات عند الحكام على الحقوق كلها ؛ لأن الشهادة هنا اسم للحبس وإن كان مذكوراً بعد الأمر بإشهاد ذَوَيْ عدل على الرجعة ، لأن ذكرها بعده لا يمنع استعمال اللفظ على عمومه ، فانتظم ذلك معنيين : أحدهما الأمر بإقامة الشهادة ، والآخر أن إقامة الشهادة حقٌّ لله تعالى ، وأفاد بذلك تأكيده والقيام به .