قوله تعالى : { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } الآية . فيه بيان وجه خروجهم لو خرجوا وإخبارٌ أن المصلحة للمسلمين كانت في تخلفهم ، وهذا يدلّ على أن معاتبة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله : { لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ } أن الله علم أنه لو لم يأذن لهم لم يخرجوا أيضاً فيظهر للمسلمين كذبهم ونفاقهم ؛ وقد أخبر الله تعالى أن خروجهم لو خرجوا على هذا الوجه كان يكون معصية وفساداً على المؤمنين . وقوله : { مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } ، والخَبَالُ الاضطراب في الرأي ، فأخبر الله تعالى أنهم لو خرجوا لَسَعَوْا بين المؤمنين في التضريب وإفساد القلوب والتخذيل عن العدو ، فكان ذلك يوجب اضطراب أرائهم .
فإن قال قائل : لم قال : { مَا زَادُوكُمْ إِلاّ خَبَالاً } ولم يكونوا على خِبال يُزاد فيه ؟ قيل له : يحتمل وجهين ، أحدهما : أنه استثناء منقطع ، تقديره : ما زادوكم قوة لكن طلبوا لكم الخبال . والآخر : أنه يحتمل أن يكون قومٌ منهم قد كانوا على خَبَالٍ في الرأي لما يعرض في النفوس من التلوّن إلى أن استقر على الصواب ، فيقوِّيه هؤلاء حتى يصير خبالاً معدولاً به عن صواب الرأي .
قوله تعالى : { وَلأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ } . قال الحسن : " ولأوضعوا خلالكم بالنميمة لإفساد ذات بينكم " . وقوله تعالى : { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } فإن الفتنة ههنا المحنة باختلاف الكلمة والفرقة ، ويجوز أن يريد به الكفر ؛ لأنه يسمَّى بهذا الاسم لقوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } [ البقرة : 193 ] ، وقوله : { والفتنة أشد من القتل } [ البقرة : 193 ] .
وقوله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } ، قال الحسن ومجاهد : " عُيُونٌ منهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم " . وقال قتادة وإبن إسحاق : " قابِلُون منهم عند سماع قولهم " .