قوله تعالى : { ضَرَبَ اللهُ مثلاً عَبْداً مَمْلوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شيءٍ } الآية :[ 75 ] :
ذكر إسماعيل بن اسحق ، أن المراد به : عبد نفسه ، وليس المراد : عبداً للعباد ، ويجوز أن يكون : عبد الله . وهذا بعيد ، والظاهر أنه : أي عبد كان .
واحتج به قوم في أنه لا يملك بالتمليك ، فإنه لو ملك لقدر على شيء ، وقد قال تعالى : { لاَ يَقْدِرُ عَلى شيءٍ } . ويمكن أن يجاب عنه ، أن المراد به : أنه إذا تصرف لا يمكنه أن يتصرف إلا بإذن غيره ، كما يقال ذلك فيمن لا يملك أصلاً ، وإلا فهذا اللفظ لا يدل على نفي ملك الطلاق ، ونفي ملك النكاح ، فهذا ما يدل عليه الظاهر دون ما سواه ، ولذلك عقبه بقوله : { ومَنْ رَزَقْنَاهُ مِنّا رِزْقاً حَسنَاً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِراً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ } ، فأبان بذلك أن نقيض هذا المعنى في العبد ، عدم استقلاله بالإنفاق سراً وجهراً .
وقال الأصم : المراد به ، المملوك الذي ربما يكون أشد من مولاه{[1481]} أسراً وأنضر وجهاً ، وهو لسيده ذليل لا يقدر إلا على ما أذن له فيه ، فقال الله تعالى ضرباً للمثل : فإذا كان هذا شأنكم وشأن عبيدكم ، فكيف جعلتم أحجاراً أمواتاً شركاء لله تعالى في خلقه وعبادته ، وهي لا تسمع ولا تعقل ؟ وهذا القول أولى بالظاهر ؛ لأن العبد المملوك لا يكون جماداً ، ولا يقال في الجماد لا يقدر على شيء ، وهو بالصفة التي معها لا يجوز أن يقدر ، فلا حاجة والحالة هذه إلى صرفه عن ظاهره ، فبين تعالى أن هذا العبد إذا لم يساوي من رزقناه رزقاً حسناً ، فهو ينفق منه سراً وجهراً مع اشتراكهما في الحيوانية والقدرة والآلة ، فكيف يجوز التسوية بين الأصنام التي لا يتأتى منها ضرر ولا نفع ، وبين مالك الأمر والخلق .
وإسماعيل بن اسحق روى عن ابن عباس ، أن الآية واردة في رجل من قريش وعبده أسلما ، وإنه كان مولى لعثمان يكفله وينفق عليه ، ولذلك ذكر في الأبكم أنه لا يقدر على شيء كما ذكره في العبد ، ثم لا يدل ذلك على أنه لا يملك{[1482]} .