وقوله تعالى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ التِّي كاَنُوا عَلَيْهَا ؟ قُلْ للهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ 142 ] : يدل على جواز النسخ لقوله : { وللّهِ المَشرِقُ والمَغْرِبُ } ، ومعناه : أن الجهات لا تقتضي التوجه في الصلاة إليها لذواتها وإنما وجود التوجه إليها بإيجاب الله تعالى .
وقد دلت الآية أيضاً على جواز نسخ السنة بالقرآن{[63]} ، لأن النبي عليه السلام كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس - وليس في القرآن ذكر ذلك - ثم نسخ ، ومن يأبى ذلك يقول : قد ذكر ابن عباس أنه نسخ قوله تعالى : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ{[64]} } ، وكان التوجه إلى حيث كان من الجهات في مضمون الآية ، ثم نسخ بالتوجه إلى الكعبة .
ولما نسخت القبلة إلى بيت المقدس وصل الخبر إلى أهل قباء في صلاته فاستداروا ، ففهم منه أن الأمة إذا عتقت وهي في الصلاة أنها تأخذ قناعها وتبني ، وهذا أصل في قبول خبر الواحد في أمر الدين ، ويدل على جواز ثبوت نسخ بقاء الحكم بعد الأمر الأول بقول الواحد وأن الدليل الموجب للعلم بثبوت الحكم غير الدليل المبقي ، ولذلك صح ثبوت النسخ بقول الواحد ، ويمكن أن يفهم منه أن المتيمم إذا رأى الماء في خلال الفلاة يتوضأ ويبنى .