قوله تعالى : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا أَوْ إثْمَاً فأصْلَحَ بَيْنَهُمْ } [ 182 ] :
يحتمل أن يكون معناه : أن يعلم من الموصي جنفاً أو غيظاً على بعض الورثة ، وأن ذلك ربما يحمله عن زي{[157]} الميراث عن الوارث ، فعلى من خاف ذلك منه أن يرده إلى العدم ويخوفه عاقبة الجور ، ويدخل بين الموصى له والورثة على وجه الإصلاح لئلا يقطع عنه الميراث بوصيته ، أو يرجع عن وصية كانت منه إلى غير أهلها قاصداً قطع الميراث . وهذا وإن كان فيه أجر عظيم ولكنه قد يظن الظان امتناع جواز ذلك ، ولذلك قال : { فلا إثم َعَلَيْهِ } ، وقد وعد بالثواب على مثله وغيره ، فقال : { لا خَيْرَ في كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ } إلى قوله : { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرَاً عَظِيماً{[158]} } . .
الضمير في قوله { بينهم } يجوز أن يكون يرجع إلى الموصى له والورثة إذا تنازعوا ، ويجوز أن يرجع إلى الموصي والورثة ، فأفاد بهذه الآية أن على الوصي والحاكم والوارث وكل من وقف على جور في الوصية من جهة الخطأ والعمد ردها إلى العدل ، ودل على أن قوله : { بعد ما سمعه } خاص في الوصية العادلة دون الجائرة ، وفيها الدلالة على جواز اجتهاد الرأي والعمل على غالب الظن ، لأن الخوف من الميل يكون في غالب ظن الخائف ، وفيها رخصة في الدخول بينهم على وجه الإصلاح مع ما فيه من زيادة أو نقصان عن الحق بعد أن يكون ذلك بتراضيهم . .