قوله تعالى : { والّذِينَ يَرْمُونَ أزْواجَهُم } ، الآية :[ 6 ] :
دل به على أن الأول لم يتناول الزوجات ، أعني قوله : { والّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ } ، ويحتمل أن يقال إنه تناول ، ولكن جعل هذا محلفاً ، وأقيم لعانه مقام الشهادة ، فإنه تعالى استثناه عن الشهادة .
قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُم فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمِ } : وترتب على ذلك اللعان متى كان حجة دامغة ، فمتى لم يدفع الزوج بلعانه ، كان بمثابة الأجنبي الذي لا يدفع الحد بالشهادة ، وإذا لم يجعل الشرع اللعان حجة ، فلا فرق بين أن يقذف حرة أو أمة ، أو يكون القاذف حراً أو عبداً ، فإنه حجة خاصة لمكان حاجة الزوجية .
وأبو حنيفة يرى اللعان شهادة من وجه ، حتى لا يصح من العبد ، مع أن حقيقة الشهادة لا تعتبر ، فإن الشهادة في الأصل تصديق الغير ، والملاعن يصدق نفسه ، فحيث لا تعتبر الشهادة ومعناها . كيف تعتبر صفتها الزائدة على معناها ، فإن الشرائط تابعة للحقيقة ، وهذا لا مخلص منه . وربما قال : إن اللعان شهادة في هذا المعنى ، ثم لم يوفر عليها مقتضاها ، فإن شهادة الحر على الأمة الكافرة مقبولة ، ثم لا يلاعن المسلم والحر زوجته الكافرة والأمة ، وعند ذلك نرجع إلى أصل آخر فنقول : في اللعان معنى العقوبة فاللعان شرع قائماً مقام الحد ، ولا حد على الرجل المسلم يقذف زوجة ، الأمة والكافرة ، ومن قبل كان يرى اللعان شهادة ، والشهادة تمتنع من الرقيق تعظيماً لرتبة الشهادة ، فإذا جعلهما حداً ، كان شرعها باعتبار تحقيق من يلاعن ، فمن عد بزنا ممن يجمع بين المتناقضين فنقول : اللعان شهادة ، فلا يصح ممن لا يدلي بمنصب الحرية ، ثم يحط اللعان إلى رتبة الحد المشروع إهانة للحدود ، ويقال سبحان الله ، عد اللعان مخلصاً وتخفيفاً من الله تعالى ، فكيف يعد إهانة ، وقد شرع إكراماً وإعظاماً ؟
فهذه المناقضات كيف يمكن تلفيقها ، ثم يرى اللعان شهادة ويقول : إنه إذا لاعن فلا حد عليها ، فإن بمجرد قوله لا يمكن إثبات حد على المرأة ، ثم يقول : إذا لاعن الزوج فقد حد ، فإذا أكذب نفسه كيف يرجع بعد ذلك إلى إيجاب الحد عليه ثانياً ، أفترى أنا نوجب الحد مرة ومرة أخرى ؟ فكيف يطمع الفقيه في الجواب عن ذلك ؟
ومما قاله : إن اللعان حد ، وإذا قذف الزوج وامتنع من اللعان لا يحد ، بل يحبس حتى يلاعن ، وإذا لاعن حبست المرأة ، ولا حد عليها ، فإنه لو لزمها الحد كان ذلك إيجاب الحد عليها بمجرد قوله ، ثم قال :
واللعان حد ، وقد وجب اللعان عليها بمجرد قوله ، فسبحان الله ، كيف تلفقت لهم هذه الخرافات والمتناقضات ؟