قوله تعالى : { ولاَ تَتَمنّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بهِ بَعْضَكُم عَلَى بَعْضٍ } ، الآية [ 32 ] :
ورد في تفسيره عن مجاهد عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله ، تغزوا الرجال ولا نغزوا وتذكر الرجال ولا نذكر ، فأنزل الله تعالى : { ولاَ تَتَمَنّوْا } ، الآية{[912]} ، وأنزل : { إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِمَاتِ{[913]} } ، وروى قتادة عن الحسن : " لا يتمنى أحد المال وما يدريه لعل هلاكه في ذلك المال{[914]} " ،
وقال قتادة : كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئاً ولا الصبي ، فلما جاء الإسلام ، وجعل للمرأة النصف من نصيب الذكر ، قال النساء : " لو كان أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال ، وقلن : إنا لنرجوا أن نفضل عليهم في الآخرة " ، فنزل قول الله تعالى : { للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّسَاءِ نَصِبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ{[915]} } : فللمرأة الجزاء على الحسنة عشر أمثالها كما للرجال .
قال : { واسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ{[916]} } ، ونهى الله أن تتمنى المرأة ما فضل الله بعضهم على بعض ، لأن الله تعالى أعلم بصالحهم منهم ، فوضع القسمة منهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم .
وبالجملة : التمني إذا لم يفض إلى حسد في ابتغاء زوال نعمة الغير أو تباغض ، فلا نهي عنه ، فإن الواحد منا يود أن يكون إماماً وسيداً في الدين والدنيا ، ولا نهي عنه ، وإن علم قطعاً أنه لا يكون .
وورد في الخبر أن الشهيد يقال له : تمن ، فيقول : أتمنى أن أرجع إلى الدنيا ، وأقتل في سبيل الله{[917]} ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمنى إيمان أبي طالب وأبي لهب وصناديد قريش ، مع علمه بأنه لا يكون ، وكان يقول : " واشوقاه إلى أخواني الذين يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني{[918]} " ، وذلك كله يدل على أن التمني لا ينهي عنه إذا لم يكن داعية الحسد والتباغض ، والتمني المنهي عنه في الآية من هذا القبيل ، ومنه النهي عن الخطبة على خطبة أخيه ، لأنه داعية الحسد والمقت .