قوله تعالى : { الذيِنَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناسَ بالبُخلِ } [ 37 ] : البخل المذموم في الشرع الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى ، وهو مثل قوله : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذِينَ يَبْخَلُونَ بمَا آتَاهُمُ اللهُ من فَضْلِهِ هُوَ خَيْرَاً لهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ{[947]} } .
ونزلت الآية في اليهود ، الذين بخلوا بالمال ، فلم يعطوا منه حق الله تعالى ، ومنعوا الأنصار من أداء حق الله ، وخوفوهم بالفقر ، ومنعوا العلم ، وكتموا ما علموا من صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والمباهاة{[948]} ، بل يقول : كان ذلك من فضل الله ، وما كان من قوتي ولا من عندي ، فيتحدث بالنعم على وجه الشكر ، كما قال تعالى : { وأَما بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ{[949]} } . . وقال عليه السلام : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا أفصح العرب ولا فخر{[950]} " ، فأراد بذكره التحدث بنعم الله تعالى ، وأن يبلغ أمته من منزلته عند الله ، ما يجب على أمته أن يعرفوه ، وليعطوه من التعظيم حقه طاعة الله تعالى . . وقال عليه السلام : " لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس ابن متى " ، وقد كان عليه السلام خيراً منه ، ولكنه نهى أن يقال ذلك على وجه الافتخار ، وقال الله تعالى : { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بمَنْ اتقَى{[951]} } ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " احثوا في وجوه المداحين التراب{[952]} " ، وذلك لئلا تزهو النفس وتترف ، فأن النفس إذا ما مالت إلى شيء لطلب حظها ، تولد منها قوة الهوى وضعف اليقين .