قوله تعالى : { وكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَنَّ النّفْسَ بالنّفْسِ{[1193]} } : استدل قوم به على قتل المسلم بالذمي والحر بالعبد ، وهذا لو ثبت لهم أن شريعة من قبلنا تلزمنا وبعد فقوله تعالى : { وكَتَبْنَا عَلَيهِم فِيها } ، ليس فيه عموم ، ولم يثبت أن كلم الله تعالى في حق الواحد من شريعة من مضى حكم في حق أهل شريعتنا كما ثبت ذلك بدليل قاطع في شريعتنا .
ومن وجه ثالث ، وهو أنه لم يثبت عموم شريعة التوراة لأصناف الخلق ، كما ثبت أن نبينا صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق كلهم .
الرابع أنه تعالى قال : { وكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَنَّ النّفْسَ بالنّفْسِ } ، فكان ذلك مكتوباً على أهل التوراة ، وهم أهل ملة واحدة ، ولم يكن لهم أهل ذمة ، كما للمسلمين أهل ذمة ، لأن الجزية فيء وغنيمة أفاءها الله على المؤمنين ، ولم يحل الفيء لأحد قبل هذه الأمة ، ولم يكن نبي فيما مضى مبعثاً إلى قومه ، فأوجبت الآية الحكم على بني إسرائيل ، إذ كانت دماؤهم تتكافأ ، فهو مثل قول الواحد منا : وما في الدنيا سوى المسلمين النفس بالنفس ، وتشير إلى قوم تعيين فتقول : الحكم في هؤلاء ، أن النفس بالنفس .
فالذي يجب بحكم هذه الآية على أهل القرآن أن يقال : إنهم فيما بينهم على هذا الوجه النفس بالنفس ، وليس في كتاب الله تعالى ما يدل على أن النفس بالنفس مع خلاف الملة .
قوله تعالى : { والعَينَ بالعَيْنِ{[1194]} } ، يدل على جريان القصاص في العين وضوئها ، وتعلق ابن شبرمة بعموم قوله : { النّفْسَ بِالنّفْس والعَيْنَ بالعَيْنِ } ، على أن اليمين تفقأ باليسرى ، وكذلك بالعكس ، وأجرى ذلك في اليد اليمنى واليسرى ، وقالوا تؤخذ الثنية بالضرس ، والضرس بالثنية لعموم قوله : السن بالسن . والذين خالفوه وهم علماء الأمة قالوا : العين اليمنى هي المأخوذة باليمنى عند وجودها ، ولا يتجاوز ذلك إلى اليسرى مع الرضا ، وذلك بين لنا أن المراد بقوله تعالى : { العَيْنَ بِالعَيْنِ } ، استيفاء ما يماثله مما يقابله من الجاني ، فلا يجوز أن يتعدى إلى غيره ، كما لا يجوز أن يتعدى من الرجل إلى اليد في الأحوال كلها ، وهذا لا ريب فيه .