قوله تعالى : { ومَا أفَاءَ اللهُ على رَسُولِهِ مِنْهُم فَمَا أوْجَفْتُم عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ولاَ رِكَابٍ } ، الآية :[ 6 ] : كانت لرسول الله عليه الصلاة والسلام خاصة ، وكان ينفق على أهله نفقة سنة ، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ، ولم يكن لأحد فيه حق إلا لمن جعله النبي عليه الصلاة والسلام .
ولما ذكر ما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، ذكر ما أوجف عليه المسلمون{[1659]} ، فقال تعالى : { مَا أفاء اللهُ عَلى رسُولِهِ مِن أهْلِ القُرَى فَلِلّهِ ولِلرَسُولِ } ، الآية :[ 7 ] ، وذلك يمنع تنزيهاً للغانمين ، ثم نسخ ذلك بقوله : { واعْلَموا أنّما غنِمْتُم مِن شَيءٍ{[1660]} } .
ولما فتح عمر العراق ، سأل قوم من الصحابة قسمتها بينهم ، فقال : إن قسمتها بينهم بقي آخر الناس لا شيء لهم ، واحتج عليهم بهذه الآية إلى قوله : { والّذيِنَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهِمِ{[1661]} } ، الآية :[ 10 ] ، وشاور علياً في ذلك ، فأشار عليه بترك القسمة ، وأن يقر أهلها عليها ، وأن يضع الخراج عليها ، ففعل ، فقال أصحاب أبي حنيفة : فالآية غير منسوخة إذاً ، فإنها غير مضمومة إلى آية الغنيمة في الأراضي المفتتحة ، فإن رأى قسمتها أصلح وأعود على المسلمين فعل ، ثم قال : وتقدير الآيتين : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه في الأموال سوى الأرضين ، وفي الأرضين إذا اختار الإمام ذلك .
والذي ذكروه بعيداً جداً ، فإن قوله : { والذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم } ، ليس لهم حق في الغنيمة ، وأن غير من شهد الوقعة يستحق ، والعجب أن الذين هم في الحياة لا يستحقون إذا لم يشهدوا الوقعة ، فكيف يستحق من جاء بعدهم ، فدل أن معنى الآية ظاهرها وهو قوله : { والّذينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهِم يقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنَا ولإخوَانِنَا الّذينَ سَبَقُونا بِالإيمَانِ } ، الآية :[ 10 ] ، وهو ندب الآخرين إلى الثناء على الأولين ، فدل أن الحق ما قاله الشافعي ، إن ما كان غنموه من الأراضي وغيرها فخمسها لأهله وأربعة أخماسها للغانمين ، فمن طابت نفسه عن حقه فللإمام أن يجعلها وقفاً عليهم ، ومن لم تطب نفسه فهو أحق بما له ، وعمر رضي الله عنه استطاب نفوس الغانمين واشتراها منهم{[1662]} .