قوله تعالى : { وإنْ نَكَثُوا أَيمَانَهُم مِنْ بَعدِ عَهدِهِم وَطَعَنُوا في دِينِكُم } ، الآية :[ 12 ] : يدل على أن المعاهد لا يقتل في عهده ما لم ينكث ، وذكر الأمرين لا يقتضي توقف قتالهم على وجودهما ، فان النكث يقتضي ذلك بانفراده عقلاً وشرعاً . فالمراد به على هذا الوجه التمييز في الجمع ، وتقديره : فإن نكثوا حل قتالهم وإن لم ينكثوا وطعنوا في الدين مع الوفاء بالعهد حل قتالهم .
وهذا يقوي مذهب الشافعي ، فإن المعاهد إذا جاهر بسب الرسول وطعن في الدين فإنه يحل قتله وقتاله . . وأبو حنيفة رأى أن مجرد الطعن في الدين لا ينقض به العهد ، ولا شك أن دلالة الآية قوية فيما قاله الشافعي .
فإن قيل : فلم قال : فقاتلوا أئمة الكفر ؟ ولم خصصهم بذلك مع وجود القتال من جميعهم ؟ الجواب : أن من المحتمل أن يكون المراد به أن المقدم على الطعن في الدين ونكث العهد صار أصلاً ورأساً في الكفر ، فهو من أئمة الكفر على هذا التأويل ، أو عنى به المقدمين والرؤساء منهم ، وأن قتالهم قتال أتباعهم ، وأبان أنهم لا يحترمون ولا يهابون .
وقد قيل : عنى به صناديد قريش ، كأبي جهل وعتبة وشيبة وأمية ابن خلف . وهذا بعيد : فإن الآية في سورة براءة ، وحين نزلت وقرئت على الناس استؤصل شأفة{[1392]} قريش فلم يبق منهم إلا مسلم أو مسالم .
قوله تعالى : { إنّهُم لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ{[1393]} } : أي لا أيمان لهم يفون بها ، ويثبتون عليها .
قوله تعالى : { لَعَلّهُم يَنْتَهُون{[1394]} } : أبان به أن الغرض من قتال الكفار يجب أن يكون طلب إسلامهم ، فمن رجا منهم الإسلام وتطلب تعريف الحق يجب السعي في بيان ذلك ، لأن قوله : { لعلّهُم يَنْتَهُون } ، أي كي ينتهوا عن كفرهم وباطلهم وأذيتهم للمسلمين ، وذلك يقتضي أن يكون الغرض من قتالهم ، إما دفع ضررهم فينتهون عن قتالنا ، وإما الانتهاء عن كفرهم بإظهار الإسلام .
وقد قيل : قوله { أَئِمةَ الكُفْرِ } : نزل في اليهود الذين غدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونكثوا ما كانوا أعطوا من العهود والأيمان ، على أن لا يعينوا عليه أعداءه من المشركين ، وهموا بمعاونة المنافقين والكفار على إخراج النبي عليه الصلاة والسلام ، فأخبر أنهم بدءوا بالنكث والنقض ، وقال بعده : { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُم من بعد عهدهم وَهَمُّوا }{[1395]} وكل ذلك محتمل .