الْآيَةُ الْعَاشِرَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ من أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ من الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : { جَعَلَ لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } ، يَعْنِي : من جِنْسِكُمْ ، يَعْنِي : من الْآدَمِيِّينَ ، رَدًّا عَلَى الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَتَزَوَّجُ الْجِنَّ وَتُبَاضِعُهَا ، حَتَّى رَوَتْ أَنَّ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ غُولًا ، وَكَانَ يَخْبَؤُهَا عَنْ الْبَرْقِ ، لِئَلَّا تَرَاهُ فَتَنْفِرَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي لَمَحَ الْبَرْقَ وَعَايَنَتْهُ السِّعْلَاةُ فَقَالَتْ : عَمْرُو ، وَنَفَرَتْ فَلَمْ يَرَهَا أَبَدًا ، وَهَذَا من أَكَاذِيبِهَا ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي حُكْمِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ ، رَدًّا عَلَى الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ وُجُودَ الْجِنِّ ، وَيُحِيلُونَ طَعَامَهُمْ وَنِكَاحَهُمْ .
وَقِيلَ : أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : { أَزْوَاجًا } ، زَوْجُ الْمَرْأَةِ ، هِيَ ثَانِيَتُهُ ، فَإِنَّهُ فَرْدٌ ، فَإِذَا انْضَافَتْ إلَيْهِ كَانَا زَوْجَيْنِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ دُونَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهَا فِي الْوُجُودِ ، وَقِوَامُهَا فِي الْمَعَاشِ ، وَأَمِيرُهَا فِي التَّصَرُّفِ ، وَعَاقِلُهَا فِي النِّكَاحِ ، وَمُطْلِقُهَا من قَيْدِهِ ، وَعَاقِلُ الصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ عَنْهَا فِيهِ ، وَوَاحِدٌ من هَذَا كُلِّهِ يَكْفِي لِلْأَصَالَةِ ، فَكَيْفَ بِجَمِيعِهَا ؟ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : { وَجَعَلَ لَكُمْ من أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } :
وُجُودُ الْبَنِينَ يَكُونُ مِنْهُمَا مَعًا ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ تَخَلُّقُ الْمَوْلُودِ فِيهَا ، وَوُجُودُهُ ذَا رُوحٍ وَصُورَةٍ بِهَا ، وَانْفِصَالُهُ كَذَلِكَ عَنْهَا ، أُضِيفَ إلَيْهَا ، وَلِأَجْلِهِ تَبِعَهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ، وَصَارَ مِثْلَهَا فِي الْمَالِيَّةِ .
سَمِعْت إمَامَ الْحَنَابِلَةِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ بْنُ عَقِيلٍ ، يَقُولُ : إنَّمَا تَبِعَ الْوَلَدُ الْأُمَّ فِي الْمَالِيَّةِ ، وَصَارَ بِحُكْمِهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ الْأَبِ نُطْفَةً لَا قِيمَةَ لَهُ ، وَلَا مَالِيَّةَ فِيهِ ، وَلَا مَنْفَعَةَ مَثْبُوتَةَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا اكْتَسَبَ مَا اكْتَسَبَ بِهَا وَمِنْهَا ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تَبِعَهَا ، كَمَا لَوْ أَكَلَ رَجُلٌ تَمْرًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ ، فَسَقَطَتْ مِنْهُ نَوَاةٌ فِي الْأَرْضِ من يَدِ الْآكِلِ ، فَصَارَتْ نَخْلَةً ، فَإِنَّهَا مِلْكُ صَاحِبِ الْأَرْضِ دُونَ الْآكِلِ بِإِجْمَاعٍ من الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهَا انْفَصَلَتْ من الْآكِلِ وَلَا قِيمَةَ لَهَا ؛ وَهَذِهِ من الْبَدَائِعِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : { وَحَفَدَةً } :
وَفِيهَا ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ : الْأَخْتَانُ ؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ .
الثَّانِي : أَنَّهُمْ : الْأَصْهَارُ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
الثَّالِثُ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : الْخَتَنُ : الزَّوْجُ ، وَمَنْ كَانَ من ذَوِي رَحِمِهِ . وَالصِّهْرُ : مَنْ كَانَ من قِبَلِ الْمَرْأَةِ من الرِّجَالِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهَا ضِدُّ ذَلِكَ ؛ قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ .
الْخَامِسُ : قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : الْخَتَنُ : مَنْ كَانَ من الرِّجَالِ من قِبَلِ الْمَرْأَةِ ، وَالْأَصْهَارُ مِنْهُمَا جَمِيعًا .
السَّادِسُ : الْحَفَدَةُ : أَعْوَانُ الرَّجُلِ وَخَدَمِهِ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَعَانَك فَقَدْ حَفَدَك ؛ وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ .
السَّابِعُ : حَفَدَةُ الرَّجُلِ أَعْوَانُهُ من وَلَدِهِ .
الثَّامِنُ : أَنَّهُ وَلَدُ الرَّجُلِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : هَذِهِ الْأَقْوَالُ كَمَا سَرَدْنَاهَا إمَّا أُخِذَتْ عَنْ لُغَةٍ ، وَإِمَّا عَنْ تَنْظِيرٍ ، وَإِمَّا عَنْ اشْتِقَاقٍ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ من الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } ؛ فَالنَّسَبُ مَا دَارَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ . وَالصِّهْرُ مَا تَعَلَّقَ بِهِمَا ، وَيُقَالُ أَخْتَانُ الْمَرْأَةِ وَأَصْهَارُ الرَّجُلِ عُرْفًا وَلُغَةً ، وَيُقَالُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ : الْحَفِيدُ ، وَيُقَالُ : حَفِدُهُ يَحْفِدُهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، إذَا خَدَمَهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ : وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ . فَالظَّاهِرُ عِنْدِي من قَوْلِهِ : { بَنِينَ } ، أَوْلَادُ الرَّجُلِ من صُلْبِهِ ، وَمِنْ قَوْلِهِ : { حَفَدَةً } ، أَوْلَادُ وَلَدِهِ . وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ اللَّفْظِ أَكْثَرُ من هَذَا . وَنَقُولُ : تَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا : وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ، وَمِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ ، وَمِنْ الْبَنِينَ حَفَدَةً .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ : وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ من أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ، فَيَكُونُ الْبَنُونَ من الْأَزْوَاجِ ، وَالْحَفَدَةُ من الْكُلِّ من زَوْجٍ وَابْنٍ ، يُرِيدُ بِهِ خُدَّامًا ، يَعْنِي : أَنَّ الْأَزْوَاجَ وَالْبَنِينَ يَخْدُمُونَ الرَّجُلَ بِحَقِّ قِوَامِيَّتِهِ وَأُبُوَّتِهِ . وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : يَخْدُمُ الرَّجُلُ زَوْجَهُ فِيمَا خَفَّ من الْخِدْمَةِ ، وَيُعِينُهَا . وَقَدْ قَالُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يَخْدُمُهَا . وَقَالُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يُنْفِقُ عَلَى خَادِمٍ وَاحِدَةٍ . وَفِي رِوَايَةٍ : عَلَى أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ عَلَى قَدْرِ الثَّرْوَةِ وَالْمَنْزِلَةِ ؛ وَهَذَا أَمْرٌ دَائِرٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ من أُصُولِ الشَّرِيعَةِ ؛ فَإِنَّ نِسَاءَ الْأَعْرَابِ وَسُكَّانَ الْبَادِيَةِ يَخْدُمْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ، حَتَّى فِي اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ وَسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ . وَنِسَاءَ الْحَوَاضِرِ يَخْدُمُ الْمُقِلُّ مِنْهُمْ زَوْجَهُ فِيمَا خَفَّ ، وَيُعِينُهَا . وَأَمَّا أَهْلُ الثَّرْوَةِ فَيَخْدُمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَيَتَرَفَّهْنَ مَعَهُمْ إذَا كَانَ لَهُمْ مَنْصِبٌ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مُشْكِلًا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ ، فَتَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ أَنَّهَا مِمَّنْ لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا ، فَالْتَزَمَ إخْدَامَهَا ؛ فَيُنَفِّذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَتَنْقَطِعُ الدَّعْوَى فِيهِ . وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ فِي الْآيَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ : وَسَأَلْته عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، مَا الْحَفَدَةُ ؟ قَالَ : الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ فِي رَأْيٍ .
وَيُرْوَى أَنَّ الْحَفَدَةَ : الْبَنَاتُ يَخْدُمْنَ الْأَبَوَيْنِ فِي الْمَنَازِلِ .
وَيُرْوَى أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ : { وَحَفَدَةً } ، قَالَ : هُمْ الْأَعْوَانُ ؛ مَنْ أَعَانَك فَقَدْ حَفَدَك . قَالَ : فَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَتَقُولُهُ . أَمَا سَمِعْت قَوْلَ الشَّاعِرِ :
حَفَدَ الْوَلَائِدُ حَوْلَهُنَّ وَأُلْقِيَتْ *** بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّةُ الْأَجْمَالِ
وَتَصْرِيفُ الْفِعْلِ : حَفَدَ يَحْفِدُ كَمَا قَدَّمْنَا ، حَفْدًا وَحُفُودًا وَحَفَدَانًا .
وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ : إنَّ الْحَفَدَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ : الْخَدَمُ ، وَكَفَى بِمَالِكٍ فَصَاحَةً ، وَهُوَ مَحْضُ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِ : إنَّهُمْ الْخَدَمُ . وَبِقَوْلِ الْخَلِيلِ ، وَهُوَ ثِقَةٌ فِي نَقْلِهِ عَنْ الْعَرَبِ ؛ فَخَرَجَتْ خِدْمَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ من الْقُرْآنِ بِأَبْدَعَ بَيَانٍ .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَاللَّفْظُ لَهُ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، أَنَّ ( أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُرْسِهِ ، فَكَانَتْ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ ، وَهِيَ الْعَرُوسُ ، فَقَالَ : أَوَتَدْرُونَ مَا أَنقَعْت لِرَسُولِ اللَّهِ ؟ أَنقَعْت لَهُ تَمَرَاتٍ من اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ ) .
وَكَذَلِكَ رُوِيَ ( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ، فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ ) . وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ : وَيُعِينُهَا .
وَفِي أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ( كَانَ يَخْصِفُ النَّعْلَ ، وَيَقُمُّ الْبَيْتَ ، وَيَخِيطُ الثَّوْبَ ) .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ يَعُودُ الْمَرِيضَ ، وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ ، وَكَانَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ من لِيفٍ عَلَيْهِ إكَافٌ من لِيفٍ ) . وَقَالَ ( عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ قِيلَ لَهَا : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ : كَانَ بَشَرًا من الْبَشَرِ ، يُفَلِّي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ ) . قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : حَتَّى فِي وُضُوئِهِ ؛ فَرُوِيَ من طَرِيقٍ عَنْ ( ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ ، فِي لَيْلَةٍ كَانَتْ لَا تُصَلِّي فِيهَا ، فَأَوَى رَسُولُ اللَّهِ إلَى فِرَاشِهِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، قَامَ فَخَرَجَ إلَى الْحُجْرَةِ فَقَلَّبَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَجْهَهُ ، ثُمَّ قَالَ : نَامَتْ الْعُيُونُ ، وَغَارَتْ النُّجُومُ ، وَاَللَّهُ حَيٌّ قَيُّومٌ ، ثُمَّ عَمَدَ إلَى قِرْبَةٍ فِي جَانِبِ الْحُجْرَةِ ، فَحَلَّ شِنَاقَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ) . خَرَّجَهُ ابْنُ حَمَّادٍ الْحَافِظُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ التَّقَصِّي وَغَيْرِهِ .
وَمِنْ أَفْضَلِ مَا يَخْدُمُ الْمَرْءُ فِيهِ نَفْسَهُ الْعِبَادَاتُ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، حَتَّى يَكُونَ عَمَلُهَا كُلِّهَا لِوَجْهِ اللَّهِ ، وَعَمَلُ شُرُوطِهَا وَأَسْبَابِهَا كُلِّهَا مِنْهُ ؛ فَذَلِكَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ إذَا أَمْكَنَ . وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ : ( سَأَلْت عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَ : كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ ) . وَمِنْ الرُّوَاةِ مَنْ قَالَ : إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ ، قَالَ الْإِمَامُ : يَعْنِي : الْإِقَامَةَ .