الْآيَةُ الْعَاشِرَةُ : قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : { يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ }
يَعْنِي يُرِيدُ ذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِعْلُ الْقَلْبِ ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَظْهَرَهُ ، فَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ كَانَتْ نِيَّتُهُ فَاسِدَةً يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ ، كَمَا بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ ، وَلَيْسَ لَهُ عُقُوبَةٌ فِي الْحُدُودِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إذَا أَشَاعَهَا فَقَدْ بَيَّنَّا مَا لَهُ من الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا .
وَقَدْ رَوَى مَسْرُوقٌ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ : جَاءَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا فَدَخَلَ فَشَبَّبَ ، وَقَالَ :
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ *** وَتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الْغَوَافِلِ
قَالَتْ لَهُ : لَكِنَّكَ لَسْت كَذَلِكَ قُلْت : تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْك ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ : { وَاَلَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } قَالَتْ ، وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ من الْعَمَى . وَقَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَيَّنْت لَهُ أَنَّ الْعَمَى من الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ الَّذِي قُورِضَ بِهِ ، وَذَكَرَ ذِمَامَهُ فِي مُنَافَحَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهَا رَعَتْ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ قَالَ فِيهَا .