الْآيَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّك قَدِيرًا } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي النَّسَبِ : وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَرْجِ الْمَاءِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى وَجْهِ الشَّرْعِ ؛ فَإِنْ كَانَ بِمَعْصِيَةٍ كَانَ خَلْقًا مُطْلَقًا ، وَلَمْ يَكُنْ نَسَبًا مُحَقَّقًا ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } بِنْتُهُ مِنَ الزِّنَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبِنْتٍ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِعُلَمَائِنَا ، وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الدِّينِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : { وَصِهْرًا } :
أَمَّا النَّسَبُ فَهُوَ مَا بَيْنَ الْوَطْأَيْنِ مَوْجُودًا ، وَأَمَّا الصِّهْرُ فَهُوَ مَا بَيْنَ وَشَائِجِ الْوَاطِئَيْنِ مَعًا ، الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَهُم الْأَحْمَاءُ وَالْأَخْتَانُ . وَالصِّهْرُ يَجْمَعُهُمَا لَفْظًا وَاشْتِقَاقًا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ نَسَبٌ شَرْعًا فَلَا صِهْرَ شَرْعًا ، فَلَا يُحَرِّمُ الزِّنَا بِبِنْتٍ أُمًّا ، وَلَا بِأُمٍّ بِنْتًا ، وَمَا يُحَرَّمُ من الْحَلَالِ لَا يُحَرَّمُ من الْحَرَامِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ عَلَى عِبَادِهِ ، وَرَفَعَ قَدْرَهُمَا ، وَعَلَّقَ الْأَحْكَامَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ عَلَيْهِمَا ؛ فَلَا يَلْحَقُ الْبَاطِلُ بِهِمَا وَلَا يُسَاوِيهِمَا .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الزِّنَا يُحَرِّمُ الْمُصَاهَرَةَ ، وَهَذَا كِتَابُهُ الْمُوَطَّأُ الَّذِي كَتَبَهُ بِخَطِّهِ ، وَأَمْلَاهُ عَلَى طَلَبَتِهِ ، وَقَرَأَهُ من صَبْوَتِهِ إلَى مَشْيَخَتِهِ لَمْ يُغَيِّرْ فِيهِ ذَلِكَ ، وَلَا قَالَ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ . وَاكْتُبُوا عَنِّي هَكَذَا . وَابْنُ الْقَاسِمِ الَّذِي يُحَرِّمُ الْمُصَاهَرَةَ بِالزِّنَا قُرِئَ ضِدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْمُوَطَّأِ ، فَلَا يُتْرَكُ الظَّاهِرُ لِلْبَاطِنِ ، وَلَا الْقَوْلُ الْمَرْوِيُّ من أَلْفٍ لِلْمَرْوِيِّ من وَاحِدٍ ، وَآحَادٍ ، وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .