الآية الثالثة : قوله تعالى : { لاَ يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَليْسَ مِنَ اللهِ في شَيْءٍ . . . . } .
هذا عمومٌ في أنَّ المؤمنَ لا يتخِذُ الكافرَ وليّاً في نَصْره على عدوِّه ، ولا في أمانة ولا بطانة . من دونكم : يعني من غيركم وسِواكم ، كما قال تعالى : { أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً } [ الإسراء :2 ] .
وقد نهى عمرُ بن الخطاب أبا موسى الأشعري عن ذِمّيّ كان استَكْتبه باليمن وأمره بعَزْلِه ، وقد قال جماعةٌ من العلماء يقاتِلُ المشرك في معسكر المسلمين معهم لعدوهم ، واختلف في ذلك علماؤنا المالكية .
والصحيح مَنْعه لقوله عليه السلام : «إنا لا نستعينُ بمشرك » . وأقول : إن كانت في ذلك فائدةٌ محقّقة فلا بأس به .
الآية الرابعة : قوله تعالى : { . . . إلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً . . . } .
فيه قولان :
أحدهما : إلا أن تخافوا منهم ، فإن خِفْتُم منهم فساعدوهم ووَالُوهم وقُولُوا ما يصرف عنكم من شرهم وأذاهم بظاهرٍ منكم لا باعتقادٍ ، بيِّن ذلك قوله تعالى : { إلاَّ مَنْ أُكْرِه وقَلْبُه مُطْمَئِن بالإيمان } [ النحل :106 ] على ما يأتي بيانه إن شاء الله .
الثاني : أنَّ المرادَ به إلا أن يكونَ بينكم وبينه قرابة فصِلُوها بالعطية ، كما روي أنّ أسماء قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : «إن أمي قدمت عليّ وهي مشركة وهي راغبة أَفَأَصِلُها ؟ قال : نعم . صِلِي أُمَّكِ » .
وهذا وإن كان جائزاً في الدين فليس بقويٍّ في معنى الآية وإنما فائدتها ما تقدّم في القول الأول . والله أعلم .