الْآيَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الِاسْتِجَابَةُ : هِيَ الْإِجَابَةُ ، وَقَدْ يَكُونُ اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى أَفْعَلَ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَقَدْ قَالَ شَاعِرُ الْعَرَبِ :
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إلَى النَّدَى *** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ حَيَاةَ الْمُشَاهَدَةِ وَالْأَجْسَامِ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ حَيَاةَ الْمَعَانِي وَالْقُلُوبِ بِالْإِفْهَامِ بِدُعَائِهِ إيَّاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ ، وَالْحَقِّ وَالْجِهَادِ ، وَالطَّاعَةِ وَالْأُلْفَةِ .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ لِمَا يُحْيِيكُمْ فِي الْآخِرَةِ الْحَيَاةَ الدَّائِمَةَ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا أُبَيًّا وَهُوَ يُصَلِّي ، فَلَمْ يُجِبْهُ أُبَيٌّ فَخَفَّفَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَا مَنَعَك إذْ دَعَوْتُك أَنْ تُجِيبَنِي ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُنْت أُصَلِّي . قَالَ لَهُ : أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ : ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَا أَعُودُ ) .
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِلْفَرْضِ أَوْ الْقَوْلَ الْفَرْضَ إذَا أُتِيَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيٍّ بِالْإِجَابَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إجَابَةِ النَّبِيِّ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلَاةِ ، وَهَلْ تَبْقَى الصَّلَاةُ مَعَهَا أُمّ تَبْطُلُ ؟ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى . وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .