8- قوله تعالى في صفة المنافقين وإظهارهم الإيمان مع إسرارهم الكفر { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين8 } الآيات |البقرة : 8-16| . قال بعض المفسرين لهذه الآية : عدم الأمر بقتلهم يدل على جواز استتابة الزنديق لأن الله تعالى لم يأمر بقتلهم وإليه ذهب الشافعي{[26]} وأصحاب الرأي{[27]} والطبري{[28]} وأبو حنيفة في أحد قوليه . وهذا استدلال ضعيف لأن الآية لا تدل عليه بلفظ ، ولا بمفهوم لفظ وغاية ما فيها عدم الأمر ، وعدم الأمر ليس بحكم يقتضي حكما{[29]} . وقال الشافعي وأصحابه : إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإيمان بألسنتهم لأن ما يظهرونه يجب ما قبله ، كالكافر لا يصلي ، فمن قال : إن عقوبة الزنادقة أشد من عقوبة الكافر ، فقد خالف معنى الكتاب و السنة وجعل شهادة الشهود على الزنديق فوق شهادة الله تعالى على المنافقين قال تعالى : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله } الآيات |المنافقون : 1-8| واحتج ابن حنبل لهذا القول بحديث مالك بن الدخشم ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه : " أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم " {[30]} .
وأما مالك وأصحابه فيقولون : إنه لا تقبل للزنديق توبة ويقتل{[31]} . قال مالك رحمه الله تعالى : النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم ، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة لأنه لا يظهر ما يستثاب منه ، وإنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين ليسن الحكم لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه إذ لم يشهد على المنافقين{[32]} .
قال إسماعيل القاضي : لم يشهد على عبد الله بن أبي إلا زيد بن أرقم وحده ولا على الجلاس بن سويد إلا عمير بن سعد ربيبه ، ولو شهد على أحد منهم رجلان بكفره ونفاقه لقتل{[33]} .
قال بعض المفسرين : وليس في قول عبد الله بن أبي { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } |المنافقون : 8 | صريح كفر وإنما يفهم من قوته الكفر{[34]} . وهذا أقوى من الاعتذار عنه بانفراد زيد بالشهادة عليه وفي هذا وهم من وجهين :
أحدهما : أن{[35]} دلالة المفهوم من اللفظ كدلالة صريح اللفظ فيما يوجبه من الحكم .
والثاني : أن الله تعالى قد شهد على قائل ذلك بالفكر ، فلو شهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم |به على عبد الله بن أبي|{[36]} شاهدان لقتله .
واحتج ابن الماجشون لمذهب مالك بقوله تعالى : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض } إلى قوله |تعالى|{[37]} { ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا61 } |الأحزاب : 60 ، 61| .
قال |قتادة|{[38]} : معناه إذا هم أعلنوا النفاق{[39]} . وفي هذه الآية رد على غلاة المرجئة . قال بعض المفسرين : وهم الكرامية{[40]} ، في قولهم : إن مظهر الشهادتين بلسانه يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه تعلقا منهم بقوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث مالك بن الدخشم{[41]} : " لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله فيدخل النار |وأني رسول الله| " {[42]} وبغير ذلك من ظواهر الأخبار ، لأنه تعالى قد نفى الإيمان عن المنافقين بقوله تعالى : { وما هم بمؤمنين } |البقرة : 8 | .