( قوله تعالى : { وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( 26 ) وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر . . . . } إلى قوله : { فكلوا } :
القائمين هنا المصلون . وذكر تعالى من أركان الصلاة الركوع والسجود خاصة إذ هما أعظم أركانها . وربما استدل بعضهم بهذه الآية على جواز صلاة الفريضة في الكعبة . وقد مر الكلام على المسألة .
وقوله تعالى : { وأذن في الناس بالحج } ظاهره أنه خطاب لإبراهيم عليه السلام لأنه مسوق على قوله : { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } الآية وروي عن ابن عباس في ذلك أن إبراهيم عند هذا الأمر نادى يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا وأمر أن تحجوه . فلم يبق إنس ولا جن إلا قال : لبيك اللهم لبيك . وروي عن علي مثل ذلك . وعلى هذا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة حجتين ، فسقط الفرض عنه بذلك ، وهذا بعيد فإنه قد ورد في شرعه : { و لله على الناس حج البيت } [ آل عمران : 97 ] فلا بد من وجوبه عليه بحكم الخطاب في شرعه . وإن قيل إنما خاطب من لم يحج كان تحكما وتخصيصا بلا دليل ويلزم عليه أن لا يجب في هذا الخطاب على من حج على دين إبراهيم . وهذا في غاية البعد . وفي تقديمه تعالى ذكر الرجال – جمع راجل – على الراكبين دليل على أن المشي في ذلك أفضل من الركوب ، وقد قاله ابن عباس وإسحاق . والذي يذهب إليه مالك والشافعي أن الركوب أفضل {[9785]} . وقد استدل {[9786]} بعضهم بهذه الآية على أن فرض الحج على طريق {[9787]} البحر ساقط إذ لم يذكره الله تعالى في الآية . وقد قال مالك في الموازية : لا أسمع للبحر ذكرا {[9788]} . وهذا الاستدلال ليس بلازم في الآية لأنه لا بد لمن أتى مكة من إحدى هاتين الحالتين : الترجل والركوب ، لأنها ليست على ضفة البحر ، فالآية جارية على ظاهرها ، وقد مر الكلام أيضا على هذه المسألة . واختلف في المنافع في الآية ، فقال أكثرهم هي التجارة ، وقال بعضهم : وفي هذا دليل على إباحة التجارة في الحج . وقال قوم أراد بالمنافع الأجر وسائر الآخرة . وقال قوم بعموم الوجهين {[9789]} وقال إسماعيل القاضي المنافع أعمال الحج مثل شهود عرفة والمزدلفة ومنى وطواف الإفاضة ونحو ذلك لأن الله تعالى إنما قال : { وأذن في الناس بالحج } ولا يصح أن تكون إجابة هذه الدعوة إلا للحج ، فلو كانت منافع التجارة لكانوا قد أجابوا لغير ما دعوا إليه ، فإنما دعوا لمنافع خاصة لله عز وجل ثم رخص لهم بعد ذلك في التجارة حين توقى الناس أن يتشاغلوا بها في الحج فأنزل الله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } [ البقرة : 198 ] فأرخص لهم في ذلك . وقد كانت الجاهلية لا يستحلون التجارة في الحج {[9790]} . واختلف في ذكر اسم الله ما هو . فقيل هو بمعنى حمده وشكره على نعمته في الرزق ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام : " إنها أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى " {[9791]} وقيل المراد ذكر اسم الله على النحر والذبح . واستدل بعضهم من ذكره تعالى في هذه الآية الأيام دون الليالي على أن الذبح في الليل لا يجوز وهو مشهور مذهب مالك ، وأجاز ذلك الشافعي وغيره ، وقد مر الكلام على هذه المسألة وعلى الأيام المعلومات والمعدودات بما أغنى ذكره هنا {[9792]} .