قوله تعالى : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير . . . } إلى قوله تعالى : { كذلك سخرناها لكم } :
اختلف في البدن ما هي ، فقيل هي ما أشعر من إبل وبقر ، قاله عطا ، وغيره ، سميت بذلك لأنها تبدن أي تسمن . وقيل بل هذا اسم خاص بالإبل ولا تكون البدن إلا منها وهو قول مالك ، وهو أظهر لأن عرف هذا اللفظ أن يكون للإبل . واختلف هل تقع على الإناث منها خاصة أو على الذكور والإناث ، فذهب مالك إلى أنه يقع على الذكور والإناث واحتج بعموم الآية . وذهب غيره إلى أنها لا تكون إلا في الإناث ، وتعجب مالك منه .
وقوله تعالى : { صواف } جمع صافة أي قياما مصطفة . وقرئ صوافي جمع صافية أي خالصة لوجه الله تعالى . وقرئ صوافن جمع صافنة وهي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب . والصوافن من الخيل الرافع أحد يديه فراهية ، وقيل أحد رجليه . واختلف في البدن كيف تنحر . فقيل تنحر قياما وهو قول مالك ، قال إلا أن تصعب . وروي عن ابن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته قال : ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويشهد لهذا القول دليل الآية لقوله تعالى : { فإذا وجبت جنوبها } أي سقطت إلى الأرض ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم . وقيل تنحر قائمة وباركة وهو قول أبي حنيفة والثوري . وقيل تنحر باركة وهو الذي استحب عطاء {[9832]} . واختلف هل تعقل أيضا عند النحر أم لا ؟ فذهب ابن عمر وغيره إلى أنها تعقل يدها الواحدة وتقوم على الثلاث . وذهب عطاء إلى أنها تنحر معقولة وهي باركة . وذهب مالك إلى أنها لا تعقل إلا أن تمتنع ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما . ومن حجة من يرى العقل قراءة من قرأ صوافن بالنون {[9833]} ومن حجة من لا يراه القراءة المشهورة صواف أي قياما . والذين رأوا العقل اختلفوا أي يد تعقل فقال قتادة : معقولة اليد اليمنى ، وقال مجاهد اليسرى وحجة هذا القول ما جاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليد اليسرى قائمة على ما بقي من قوامها{[9834]} .
وقوله تعالى : { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } قد مر الكلام على معناه . واختلف في القانع والمعتر ، فقال ابن عباس القانع الذي يقنع بما أعطيه وهو في بيته ، والمعتر هو الذي يعترض لك أن تطعمه شيئا ولا يسألك . وقال أيضا القانع الذي يقنع بما أعطيه والمعتر الذي يعتر بك فيسألك . وقيل القانع السائل والمعتر المعترض من غير سؤال {[9835]} وقيل بعكس هذا القول . وقيل القانع الجار وإن كان غنيا والمعتر الذي يعترض ولا يسألك {[9836]} وقيل القانع الفقير والمعتر الزائر {[9837]} قال مالك وهو أحسن ما سمعت . وفيها أقول غير هذه وأكثرها تتداخل فلذلك أعرضت عن جلبها . وقد أقام بعضهم {[9838]} من هذه الآية ومن الآية التي قبلها : { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } أن الهدي أثلاث . قال جعفر بن محمد {[9839]}عن أبيه أطعم القانع والمعتر ثلثا وأهلي ثلثا والبائس الفقير ثلثا . وأقام بعضهم منها أن الهدي أرباع . قال ابن المسيب : ليس لصاحب الهدي منه إلا الربع . وهو الله تعالى أعلم ممن يقول ذلك على جهة الاستحسان {[9840]} .