قوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما . . . } إلى قوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } :
وقد تقدم الكلام في سورة النساء على ما نسخته هذه الآية {[9882]} وهي آخر آية نزلت في حد الزاني . وهي الآية ظاهرها العموم في كل زان وزانية مسلمين كانا أو كافرين . وقد قال بذلك أهل الظاهر وأبو حنيفة ، فرأوا أن الكافر حده الجلد بكرا كان أو ثيبا ، وهو قول المغيرة من أصحاب مالك . وقال الشافعي حد الكافر في الزنا كحد المسلم ، إن كان بكرا جلد مائة جلدة وإن كان ثيبا رجم واحتج بعموم الآية وبالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجم اليهوديين {[9883]} واعتذر من لم يقل بقول الشافعي عن الحديث . فقال أبو حنيفة إنما حكم عليهم بحكم التوراة ، وقال مالك رحمه الله تعالى إنما حكم عليهم بالرجم لأنهم لم يكونوا أهل ذمة فكان دمهم مباحا . إلا أن هذا التأويل يضعفه قتل المرأة . كما ضعف بعضهم تأويل أبي حنيفة بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اقتدى بالتوراة وغير هؤلاء ، وهم مالك وأصحابه ، رأوا أن المراد بها المسلمون دون المشركين وأن الكافر لا يحد بكرا كان أو ثيبا ويرد إلى أهل دينه . قال بعضهم بدليل أنها نزلت ناسخة للآية الواردة في المسلمين وهي قوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } الآية [ النساء : 15 ] . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " {[9884]} الحديث .
وظاهرها أيضا العموم في الأحرار والعبيد وقد قال به أهل الظاهر إلا في إيناث العبيد فإنهم يرون أنهن خارجات من هذا العموم بقوله تعالى : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } [ النساء : 25 ] فيرون أن العبد يجلد مائة بحكم العموم والأمة خمسين بحكم الآية المخصصة . وأنكر هذا العموم الجمهور إذ لا فرق بين العبد والأمة في مثل هذا فأجروا على العبد حكم الأمة الثابت لها بالآية التي احتجوا بها ، وظاهرها أيضا العموم في الإبكار والثيبين {[9885]} . وقد قال بذلك أيضا أهل الظاهر ورأوا أن الثيب يجلد بالآية ثم يرجم بالحديث فجمعوا عليه الحدين . وروي عن علي بن أبي طالب أنه جلد الهمدانية {[9886]} ثم رجمها ، وقال جلدتها بكتاب الله تعالى ورجمتها بالسنة . واحتجوا أيضا بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة والرجم " {[9887]} ولم يقل غيرهم بذلك العموم فلم يروا الشيئين مرادين بالآية ورأوا أن حديث عبادة منسوخ بما ثبت من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجم دون الجلد في حديث أنس وفي قصة ماعز {[9888]} وقصة العامرية . وهذا الدليل يخصص الظاهر الذي يحتجون به من القرآن . وبعضهم يسمي هذا التخصيص الذي ذكرته نسخا ، وبعضهم يقول إن الشيئين يرادان بالآية أيضا ، لكن يقول الناسخ لتلك الآية الثيبين القرآن الذي ارتفع لفظه وبقي حكمه وهو الذي قرأ عمر على المنبر بمحضر الصحابة : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة {[9889]} . والأصح ما ذكرته أولا . وحديث علي يحتمل أن يكون كتمه الإحصان فلم يعلم به حتى جلدها . والخوارج بإجماعهم يرون الآية عامة في الإبكار والثيبين ولا يرون الرجم ويقولون ليس في كتاب الله تعالى رجم وهو {[9890]} خلاف لا يعتد به . وظاهر الآية أيضا الجلد دون التغريب وقد قال به أبو حنيفة وذكره بعضهم عن مالك واستدل بالآية قال : ولم يذكر التغريب فكان إثباته زيادة في النص نسخ ولا يصح نسخ القرآن بأخبار الآحاد . ولم ير مالك في المشهور عنه وجميع أصحابه ذلك بل رأوا الجلد ثابتا بالآية والتغريب ثابتا بالسنة . وقال عليه الصلاة والسلام : " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " {[9891]} فجمعوا بينهما ولم يروا الزيادة في النص نسخا هذا إذا لم تغير الزيادة فيه الحكم الأول . ولا تغريب عند مالك وجميع أصحابه على الحرة خلافا للشافعي ، ومن حجتهم ظاهر الآية ، ولم يأت ما يزيل ذلك الظاهر . فإن قيل وهو حجة مالك قد جاء هذا الحديث : " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " فكما أزلتم ظاهر الآية في الرجل البكر به فهلا فعلتم ذلك في المرأة البكر ؟ قيل قد جاء أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها " {[9892]} فلو كان التغريب للنساء لأدى ذلك إلى ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم من في هذا الحديث وفي نفيها تعريض لهتك سترها فكان تركها أولى . والأمة والعبد أيضا عند مالك وأصحابه لا يغربان . وللشافعي في ذلك قولان ، والحجة لمالك قوله تعالى : { الزانية والزاني } ولم يذكر تغريبا ، وقال : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } [ النساء : 25 ] فلم يذكر تغريبا فلا{[9893]} يثبت إلا حيث يقوم الدليل مع ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس في الأمة إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها {[9894]} فكرر الجلد {[9895]} ولم يذكر التغريب . وحد العبد على النصف من حد البكر الحر سواء زنا بحرة أو بأمة ، خلافا للأوزاعي في قوله إن زنا بحرة رجم وإن زنا بأمة جلد ، وهذا فاسد لقوله عز وجل : { الزانية والزاني } ولم يفرق . واختلف في المجنون إذا زنا بعاقلة هل تحد العاقلة أم لا ؟ فقال أبو حنيفة لا حد عليها ، وغيره يرى أن عليها الحد لعموم قوله تعالى : { الزانية والزاني } . واختلف أيضا في الصغير يفجر بكبيرة هل تحد الكبيرة أم لا على قولين . حجة القول بحدها عموم الآية ، ومن حجة من لا يرى الحد أن هذا ليس بزنا فليس بداخل في الآية . واختلف في الكبير يفجر بصغيرة هل يحد أم لا ؟ فعن مالك في ذلك روايتان . وحجة القول بالحد عموم الآية . واختلف في الوطء في الدبر هل هو زنى أم لا ؟ فعند مالك رحمه الله تعالى أنه زنى يقام فيه الحد وغيره لا يراه زنى {[9896]} والكلام في هذا هل اسم الزنى واقع عليه أم هو قياس ؟ فإذا كان اسم الزنى واقعا عليه فالعموم في الآية شامل له . وإن كان قياسا فهو صحيح ، إن شاء الله تعالى . واختلف فيمن زنى ببهيمة هل عليه حد أم لا ؟ فالمشهور أنه لا حد في ذلك ، وفي كتاب ابن شعبان أن الحد فيه واجب ، وهذا بعيد لأن فاعل ذلك ليس بزان لأنه معلوم أن الزنى إنما هو بالآدمية ، فقد خرج هذا من لفظ الآية بعرف اللفظ فلا حد فيه . واختلف في من زنى بحربية ببلاد الحرب ، فالمشهور في المذهب أن عليه الحد وقال أشهب لا حد عليه . وحجة القول الأول عموم الآية . واختلف أيضا فيمن زنى بنصرانية وإن لم تكن ببلاد الحرب ، ففي المذهب أن عليه الحد خلافا لأبي حنيفة والشافعي ، وحجة القول الأول عموم الآية . واختلف أيضا إذا دخل المسلم دار الحرب فزنى بمسلمة وكذلك إذا زنى في عسكر أهل البغي . ففي المذهب أن عليه الحد خلافا لأبي حنيفة في قوله : لا حد عليه إلا أن يكون على الجيش أميرا أو في مصر من الأمصار . ودليل القول الأول الآية . واختلف فيمن زنى بأمة له فيها شرك ، ففي المذهب أنه لا حد عليه عالما كان بالتحريم أو غير عالم .
وفي خارج المذهب أن عليه الحد إن كان عالما بذلك لأنه زنى وقد حرم الله تعالى الزنا وأوجب فيه الحد . وحجة القول الأول في درء الحد الشبهة التي في وطئه باختلاط ملكه بملك شريكه وقد قال عليه الصلاة والسلام : " ادرأوا الحدود بالشبهات " {[9897]} فهذا مخصص لعموم الآية . واختلف فيمن زنى بأمة ولده ، ففي المذهب أنه لا حد عليه ، وذهب داود إلى أن عليه الحد لعموم الآية ، وحجة القول الأول الشبهة له في مال ولده وقد قال عليه الصلاة والسلام : " أنت ومالك لأبيك " {[9898]} واختلف فيمن زنى بأمة امرأته ، فقال مالك إن عليه الحد ، وقال قوم لا حد عليه ، وحجة القول الأول {[9899]} عموم الآية وأنه لا شبهة للزوج في مال الزوجة . واختلف فيمن زنى بميتة ، فقال مالك عليه الحد ، وقال ابن عبد الحكم لا حد عليه ، وحجة مالك عموم الآية . وكذلك اختلفوا في المرأة إذا استدخلت ذكر نائم ، فقال مالك رحمه الله تعالى عليها الحد ، وقال أبو حنيفة لا حد عليها ، وحجة مالك أن هذا زنى فهو داخل تحت العموم . واختلف فيمن أكره على الزنا هل عليه حد أم لا على قولين ، وحجة القول الأول عموم الآية {[9900]} . واختلف فيمن زنا ولم يعلم أن الزنا حرام ، فالمشهور من المذهب أن الحد واجب ولا تسقطه الجهالة وذهب أصبغ إلى أن الحد يسقط بذلك ، وروي عن عمر بن الخطاب ، والحجة للقول الأول عموم الآية . واختلف فيمن زنا بذات محرم منه ، فقال مالك والشافعي عليه الحد ، وروي عن البراء بن عازب وجابر أنه يقتل وحجة القول الأول {[9901]} عموم الآية {[9902]} وحجة القول الآخر حديث البراء بن عازب الذي ذكره الترمذي وغيره حين قال في رجل زنا بأمه : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب عنقه وأستبقي ماله {[9903]} وكذلك اختلف فيمن وطئ أمه أو أخته أو بنته بنكاح أو بملك يمين وهو عالم بالتحريم فعند مالك أنه يحد ، وقال أبو حنيفة لا يحد لأن النكاح وعقد الملك شبهة ، وحجة مالك أنه إذا كان عالما بالتحريم فهو زنا والعقد غير مقصود فدخل تحت عموم الآية . وأما أبو حنيفة فالتفت بالتحريم {[9904]} فهو زنا والعقد غير مقصود فدخل تحت عموم الآية . وأما أبو حنيفة فالتفت في هذه المسألة إلى صورة العقد ولم يلتفت إلى المقصود وأبعد في هذا النوع من النظر حتى قال فيمن استأجر امرأة ليزني بها أنه لا حد عليه وزاد على ذلك فقال : من أعطى امرأة ذهبا أو فضة ثم زنا بها فلا حد عليه وإن لم يعط ذلك على وجه الإجارة . وهذا تعمق في النظر أدى إلى الزنا المحض فلا يلتفت إليه . واختلف فيمن زنا ثم تاب هل تسقط التوبة عن الحد أم لا ؟ وكذلك في حد السرقة وشرب الخمر . فالمشهور أن الحد لا تسقطه التوبة في شيء من ذلك لقوله تعالى : { الزانية والزاني } الآية وقوله تعالى : { والسارق والسارقة } [ المائدة : 38 ] الآية ولم يفرق . وذهب الشافعي وأبو حنيفة والثوري وغيرهم بجلد الرجل قائما والمرأة قاعدة واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : " فرأيت الرجل يمنا على المرأة " قال مالك ومن تبعه يضرب الرجل والمرأة قاعدين وهما سواء في ذلك ومن حجته قوله تعالى : { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فسوى بينهما في الجلد ولم يفرق بين الرجل والمرأة . واختلفوا في مواضع الضرب من جسده بعد أن اتفقوا على تجنب المقاتل والوجه والعورة ، فعند مالك أن الضرب {[9905]} لا يكون إلا على الظهر خاصة ، وعند الشافعي أن الأعضاء كلها تضرب ما عدا المتفق عليه ، وعند أبي حنيفة أن الأعضاء كلها تضرب ما عدا المتفق عليه وما عدا الرأس . ومن حجة من لم يقصر الضرب على الظهر قوله تعالى : { فاجلدوا كل واحد منهما } فأطلق ولم يخص ، وحجة مالك قوله عليه الصلاة والسلام : " البينة أو حد في ظهرك " {[9906]} وقول عمر : لأوجعهن متينك {[9907]} . واختلف هل يجرد المحدود أم لا بعد الاتفاق على أن المرأة لا تجرد وتستر بما لا يقيها الضرب . فعند مالك وغيره أنه يجرد ، وروي عن النخعي والشعبي وغيرهما أنه لا يجرد ويترك عليه قميص ، وروى عن ابن مسعود أنه قال : لا يحل في هذه الأمة التجريد . وقال الأوزاعي الإمام مخير إن شاء جرد وإن شاء لم يجرد ، ودليل القول الأول قوله تعالى : { فاجلدوا كل واحد منهما } والجلد يقتضي مباشرة أبدانهما .
– قوله تعالى : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } :
اختلف فيه المفسرون ، فقال ابن المسيب وغيره يعني الضرب الشديد ، وقال مجاهد وغيره {[9908]} لا تعطل الحدود من أجل الرأفة ، وقال سليمان بن يسار {[9909]} نهي عن الرأفة في الوجهين . وقد اختلف في حد الزنا هل يكون كحد الفرية والخمر أم لا ؟ فقيل هو مثلهما سواء ضرب غير مبرح وهو قول الشافعي ومالك ، وعلى هذا يأتي قول مجاهد في الرأفة . وقيل ضرب الزنا أشد منهما وعليه يأتي القولان الآخران في الرأفة وهما حجة هذا القول . واختلف في حد الفرية والخمر أيضا هل هما سواء أم حد الفرية أشد ، فالمشهور أنهما سواء وهو مذهب الشافعي ومالك ، وقيل حد الفرية أشد {[9910]} . وذكر أبو الحسن عن أبي حنيفة وأصحابه الثلاثة أن التعزير أشد الضرب وضرب الزنا أشد من ضرب القذف . وقال الثوري ضرب الزنا أشد من ضرب القذف وضرب القذف أشد من ضرب الخمر . والظاهر يقتضي التسوية {[9911]} ومما يحتج به من قال إن ضرب الزنا أشد من ضرب الخمر والقذف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال ، وحد الزنا لا يكون إلا بالسوط وأن القاذف يمكن أن يكون صادقا والزاني بخلافه فكيف يسوى بينهما بالضرب ، وهذا الكلام لا يخفى فساده {[9912]} . واختلف هل يرفع الضارب يده حتى يرى بياض إبطيه أم لا ؟ فروي عن عمر وعلي أنه لا يفعل ذلك ، وروي عن عبد الملك بن مروان {[9913]} أنه أمر بذلك ، ومن حجته : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } . والصواب هو القول الأول لأن القصد بذلك إنما هو النكال وبدون ذلك يبلغ المقصود فلا معنى للغلو . واختلف هل يجوز أن يجمع مائة سوط فيضرب بها ضربة واحدة أم لا ؟ فلم يجزه مالك جملة وأجازه أبو حنيفة للصحيح والمريض ، وفرق الشافعي بين الصحيح والمريض والضعيف والجلد القوي . فقال يجوز ضرب المريض بذلك وبأطراف النعال وبعثكول النخل وبعذق فيه مائة شمراخ . ودليل القول الأول قوله تعالى : { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } فمفهوم هذا أنه أراد الضرب ولا يفهم منه أنه أراد الشيء الذي يضرب به .
قوله تعالى : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } :
المراد بالآية توبيخ الزناة والغلظة عليهم ليرتدعوا ، فلا خلاف أن ما كثرت الطائفة في حضورهم كان أغلظ عليهم . وقد اختلف في أقل ما يجزئ ، فقيل عشرة وهو قول الحسن . وقيل ما زاد على الأربعة وهو قول ربيعة . وقيل أربعة جماعة على المذهب وهو قول ابن أبي زيد {[9914]} ورأوا أن هذا كشهادة الزنا . وقيل ثلاثة وهو قول عطاء والزهري وغيرهما . وقيل لا بد من اثنين وحكى ذلك بعضهم عن [ ] {[9915]} قال وهذا قول مالك المشهور . وقيل يجزئ الواحد . وتسمى طائفة إلى الألف وهو قول مجاهد وقاله ابن عباس ، واحتجا{[9916]} بقوله تعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } [ التوبة : 122 ] وقوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } [ الحجرات : 7 ] ، ونزلت في تقاتل رجلين ، وهذا أضعف الأقوال لأن المقصود بحضورهم – كما قلنا – التوبيخ ، وإذا كان ذلك فالواحد لا يكفي مع أن الطائفة إذا أطلقت في كلام العرب إنما تقع على جماعة .
وقوله تعالى : { فاجلدوا } هذا أمر عام للإمام وغيره ، لكن العلماء اتفقوا على أن الإمام هو الذي يلي ذلك في أمر الرعية . واختلفوا في السيد مع عبده هل يقيم عليه الحدود أم لا ؟ فقال الشافعي يقيم الحدود كلها دون الإمام . وقال مالك يقيم حد الزنا والشرب والقذف . وذكر المروزي {[9917]} عن أحمد أنه لا يقيم عليه إلا حد الزنا . وقال أبو حنيفة ذلك إلى الإمام لا للسيد . وإذا لم يكن إمام فالظاهر من المذهب أن الرعية لا تقيم الحدود . وذكر أبو الحسن أنه إن أفضى إقامة الحدود من صلحاء الناس إلى هرج وفتنة لم يجز وإن لم يفض جاز{[9918]} وهذا من قوله يقتضي أن الخطاب على العموم . وإذا قلنا إن السيد يقيم على عبده وأمته حد الزنا أنه إذا لم تكن الأمة متزوجة لعبد غيره أو {[9919]} لحر خلافا للشافعي في اختياره ذلك . واختلف هل للسيد أن يعفو عن الحد لعبده أو أمته ، فأجازه الحسن وقال غيره لا منعة له في ذلك كالسلطان سواء ، وعموم الآية حجة لهذا {[9920]} .