وقوله تعالى:
{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} شروع في تفصيل ما ذكر من الآيات البينات وبيان أحكامها .أي كل من زنى من الرجال والنساء ،فأقيموا عليه الحد .وهو أن يجلد ،أي يضرب على جلده مائة جلدة ،عقوبة لما صنع{ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} أي رقة ورحمة في طاعته فيما أمركم به ،من إقامة الحد عليهما ،على ما ألزمكم به{ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أي تصدقون بالله ربكم وباليوم الآخر ،وأنكم مبعوثون لحشر القيامة وللثواب والعقاب .فإن من كان بذلك مصدقا ،فإنه لا يخالف الله في أمره ونهيه ،خوف عقابه على معاصيه{ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي وليحضر جلدهما طائفة من أهل الإيمان بالله ورسوله .قال ابن جرير{[5593]}:العرب تسمي الواحد فما زاد طائفة .
قال ابن تيمية عليه الرحمة:فأمر تعالى بعقوبتهما بحضور طائفة من المؤمنين .وذلك بشهادته على نفسه أو شهادة المؤمنين عليه .لأن المعصية إذا ظهرت كانت عقوبتها ظاهرة .كما في الأثر{[5594]} ( من أذنب سرا فليتب سرا .ومن أذنب علانية فليتب علانية ) وليس من السر الذي يحبه الله ،كما في الحديث{[5595]} ( إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها .فإذا أعلنت ولم تنكر ،ضرت العامة ) فإذا أعلنت أعلنت عقوبتها بحسب العدل الممكن .ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة .كما روي عن الحسن وغيره .لأنه لما أعلن استحق العقوبة .وأدناها أن يذم عليها لينزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته .ولو لم يذكر إلا بما فيه لاغتر به الناس .فإذا ذكر انكف وانكف غيره عن ذلك وعن صحبته .قال الحسن:أترغبون عن ذكر الفاجر ؟ اذكروه بما فيه كي يحذره الناس .و( الفجور ) اسم جامع لكل متجاهر بمعصية أو كلام قبيح ،يدل السامع له على فجور قلب قائله ولهذا استحق الهجرة إذا أعلن ببدعة أو معصية أو فجور أو تهتك أو مخالطة لمن هذا حاله .بهذا لا يبالي بطعن الناس عليه .فإن هجره نوع تعزيز له .فإذا أعلن السيئات ،أعلن هجره ،وإذا أسر أسر هجره ،إذ الهجرة هي الهجرة على السيئات وهجرة السيئات ،كقوله{[5596]}:{ والرجز فاهجر} وقوله{[5597]}:{ واهجرهم هجرا جميلا} وقوله{[5598]}:{ فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ،إنكم إذا مثلهم} وقد روي عن عمر ؛ أن ابنه عبد الرحمن لما شرب الخمر بمصر وذهب به أخوه إلى أميرها عمرو بن العاص ليحده ،جلده سرا .فبعث إليه عمر ينكر عليه .ولم يعتد حتى أرسل إلى ابنه ،فأقدمه المدينة وجلده علانية ،وعاش ابنه مدة ثم مرض ثم مات .ولم يمت من الجلد ،ولا ضربه بعد الموت ،كما يزعمه الكاذبون .
وقوله تعالى:{ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} نهى تعالى عما يأمر به الشيطان في العقوبات عموما وفي الفواحش خصوصا .فإن هذا الباب مبناه على المحبة والشهوة والرأفة التي يزينها الشيطان بانعطاف القلوب على أهل الفواحش ،حتى يدخل كثير من الناس بسبب هذه الآفة في الدياثة ،إذا رأى من يهوي بعض المتصلين به ،أو يعاشره عشرة منكرة ولو كان ولده ،رق به وظن أن هذا من رحمة الخلق .وإنما ذلك دياثة ومهانة وعدم دين وإعانة على الإثم والعدوان .وترك للتناهي عن المنكر .وتدخل النفس به في القيادة التي هي أعظم من الدياثة كما دخلت عجوز السوء مع قومها ،في استحسان ما كانوا يتعاطونه من إتيان الذكران والمعاونة لهم على ذلك .وكانت في الظاهر مسلمة على دين زوجها لوط ،وفي الباطن منافقة على دين قومها .لا تقلي عملهم كما قلاه لوط .وكما فعل النسوة بيوسف .فإنهن أعن امرأة العزيز على ما دعته إليه من فعل الفاحشة معها ولهذا قال{[5599]}:{ رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه} وذلك بعد قولهم:{ إنا لنراها في ضلال مبين} ولا ريب أن محبة الفواحش مرض في القلب .فإن الشهوة توجب السكر كما قال تعالى{[5600]}:{ إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وفي ( الصحيحين ){[5601]} من حديث أبي هريرة ( العينان تزنيان ) إلخ فكثير من الناس يكون مقصوده بعض هذه الأنواع كالنظر والاستمتاع والمخاطبة .ومنهم من يرتقي إلى المس والمباشرة .ومنهم من يقبل وينظر .وكل ذلك حرام .وقد نهانا الله سبحانه أن تأخذنا بالزناة رأفة ،بل نقيم عليهم الحد ،فكيف بما دونه من هجر ؟ ونهى وتوبيخ وغير ذلك ؟ بل ينبغي شنآن الفاسقين وقلاهم على ما يتمتع به الإنسان من أنواع الزنى المذكورة في الحديث .والمحب ،وإن كان يحب النظر والاستمتاع بصورة المحبوب وكلامه ،فليس دواؤه في ذلك ،لأنه مريض .والمريض إذا اشتهى ما يضره أو جزع من تناول الدواء الكريه ،فأخذتنا به رأفة ،فقد أعناه على ما يهلكه ويضره .وقال تعالى{[5602]}:{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} أي فيها الشفاء والبرء من ذلك .بل الرأفة به أن يعان على شراب الدواء وإن كان كريها ،مثل الصلاة وما فيها من الأذكار والدعوات وأن يحمى عما يزيد علته .ولا يظن أنه إذا استمتع بمحرم يسكن بلاؤه .بل ذلك يوجب له زيادة في البلاء .فإنه وإن سكن ما به عقيب استمتاعه ،أعقبه ذلك مرضا عظيما لا يتخلص منه .بل الواجب دفع أعظم الضررين باحتمال أدناهما قبل استحكام الداء .ومن المعلوم أن ألم العلاج النافع أيسر من ألم المرض الباقي .وبهذا يتبين أن العقوبات الشرعية أدوية نافعة .وهي من رأفة الله بعباده ،الداخلة في قوله تعالى{[5603]}:{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} فمن ترك هذه الرحمة النافعة ،لرأفة بالمريض ،فهو الذي أعان على عذابه ،وإن كان لا يريد الخير .إذ هو في ذلك جاهل أحمق ،كما يفعله بعض النساء بمرضاهن وبمن يربينهن من أولادهن في ترك تأديبهم على ما يأتونه من الشر ويتركونه من الخير .ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض وبرودة القلب والدياثة .وهو في ذلك من أظلم الناس وأديثهم في حق نفسه ونظرائه .وهو بمنزلة جماعة مرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم ،فوجد كبيرهم مرارته ،فترك شربه .ونهى عن سقيه للباقين .ومنهم من تأخذه الرأفة لكون احد الزانيين محبوبا له ،إما لقرابة أو مودة أو إحسان ،أو لما يرجوه منه ،أو لما في العذاب من الألم الذي يوجب رقة القلب .ويتأول{[5604]}:( لا يدخل الجنة ديوث ) فمن لم يكن مبغضا للفواحش كارها لها ،ولأهلها ،ولا يغضب عند رؤيتها وسماعها ،لم يكن مريدا للعقوبة عليها ،فيبقى في العذاب عليها يوجب ألم قلبه .قال تعالى:{ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} الآية ،في دين الله هو طاعته وطاعة رسوله .المبني على محبته ومحبة رسوله ،وان يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .فإن الرأفة والرحمة يحبهما الله ما لم تكن مضيعة لدين الله .فالرحمة مأمور بها بخلاف الرأفة في دين الله .والشيطان يريد من الإنسان الإسراف في أموره كلها .فإنه إن رآه مائلا إلى الرحمة ،زين له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله ،ولا يغار .وإن رآه مائلا إلى الشدة ،زين له الشدة في غير ذات الله ،فيزيد في الذم والبغض والعقاب على ما يحبه .ويترك من اللين والصلة والإحسان والبر ما يأمر الله به .فالأول مذنب والثاني مسرف .فليقولا جميعا{[5605]}:{ ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} الآية .وقوله{ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فالمؤمن بذلك يفعل ما يحبه الله ،وينهى عما يبغضه الله .ومن لم يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه يتبع هواه .فتارة تغلب عليه الشدة{[5606]}:{ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} والنظر والمباشرة ،وإن كان بعضه من اللمم ،فإن دوام ذلك وما يتصل به ،من المعاشرة والمباشرة قد تكون أعظم بكثير من فساد زنى لا إصرار فيه .بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك .كما قال تعالى{[5607]}:{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} الآية .ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان .والله تعالى إنما ذكره عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط .وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الحدود .فيما رواه أبو داود من حديث ابن عمر{[5608]}:( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله ،فقد ضاد الله في أمره .ومن خاصم في باطل ،وهو يعلم ،لم يزل في سخط الله حتى ينزع ومن قال في مسلم ما ليس فيه ،حبس في ردعة الخبال حتى يخرج مما قال ) .فالشافع في الحدود مضاد لله في أمره .فلا يجوز أن يأخذ المؤمن رأفة بأهل البدع والفجور والمعاصي .وجماع ذلك كله قوله{[5609]}:{ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} وقوله{[5610]}:{ أشداء على الكفار رحماء بينهم} فإن هذه الكبائر كلها من شعب الكفر كما في ( الصحاح ){[5611]} ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) إلخ ففيهم من نقص الإيمان ما يوجب زوال الرأفة بهم .ولا منافاة بين كون الواحد يحب من وجه ويبغض من وجه ،ويثاب من وجه ويعاقب من وجه .خلافا للخوارج والمعتزلة .ولهذا جاء في السنة أن من أقيم عليه الحد ،يرحم من وجه آخر ،فيحسن إليه ويدعى له .وهذا الجانب أغلب في الشريعة كما في صفة الرب سبحانه وتعالى .ففي ( الصحيح ){[5612]} ( إن رحمتي تغلب غضبي ) وقال{[5613]}:{ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم} وقال{[5614]}:{ اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} فجعل الرحمة صفة له مذكورة في أسمائه .وأما العذاب والعقاب فجعلهما من مفعولاته .ومن هذا ما أمر الله تعالى به من الغلظة على الكفار والمنافقين .وقال تعالى{[5615]}:{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} الآية ،وفي الحديث{[5616]} بيان السبيل الذي جعله الله لهن وهو جلد مائة وتغريب عام في البكر ،وفي الثيب الرجم .لكن الذي في الحديث الجلد والنفي للبكر من الرجال .وأما الآية ففيها ذكر الإمساك في البيوت للنساء إلى الموت ،والسبيل للنساء خاصة .ومن الفقهاء من لا يوجب مع الحد تغريبا .ومنهم من يفرق بين الرجل والمرأة كما أن أكثرهم لا يوجبون الجلد مع الرجم .ومنهم من يوجبهما جميعا .كما{[5617]} فعل بشراحة الهمدانية ،حيث جلدها ثم رجمها .وقال:( جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة نبيه ) .رواه البخاري .والله سبحانه ذكر في سورة النساء ما يختص بهن من العقوبة ،ثم ذكر ما يعم الصنفين فقال{[5618]}:{ واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ،فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ،إن الله كان توابا رحيما} فإن الأذى يتناول الصنفين .وأما الإمساك فيختص بالنساء ،لأن المرأة يجب أن تصان بما لا يجب مثله في الرجل ولهذا خصت بالاحتجاب وترك الزينة وترك التبرج ،لأن ظهورها يسبب الفتنة ،والرجال قوامون عليهن ،وقوله{[5619]}{ فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} دل على شيئين:على نصاب الشهادة وعلى أن الشهداء على نسائنا منا .وهذا لا نزاع فيه .وأما شهادة الكفار بعضهم على بعض ففيها روايتان عن أحمد .الثانية أنها تقبل .اختارها أبو الخطاب .وهو قول أبي حنيفة .وهو أشبه بالكتاب والسنة .وقوله{[5620]} صلى الله عليه وسلم:( لا تجوز شهادة أهل ملة على ملة ،إلا أمتي ) فمفهومه جواز شهادة أهل الملة الواحدة بعضهم على بعض .ولكن فيه:أن المؤمنين تقبل شهادتهم على من سواهم ،لقوله تعالى{[5621]}:{ لتكونوا شهداء على الناس} وفي آخر الحج مثلها وفي البخاري{[5622]} من حديث أبي سعيد ( يدعى نوح ) الحديث .وكذلك فيهما{[5623]} من حديث أنس ،شهادتهم على الجنازتين خيرا وشرا ،فقال ( أنتم شهداء الله في أرضه ) الحديث .ولهذا ،لما كان أهل السنة والجماعة لم يشوبوا الإسلام بغيره ،كانت شهادتهم مقبولة على سائر فرق الأمة ،بخلاف أهل البدع والأهواء ،كالخوارج والروافض ،فإن بينهم من العداوة والظلم ما يخرجهم عن هذه الحقيقة التي جعلها الله لأهل السنة ،قال فيهم{[5624]} ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ،ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ) واستدل من جوز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض بهذه الآية{[5625]}:{ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} الآية ،قالوا:دلت على قبول شهادتهم على المسلمين .ففيه تنبيه على قبول شهادة بعضهم على بعض بطريق الأولى .ثم نسخ الظاهر لا يوجب نسخ الفحوى ،والتنبيه على الأقوى .كما نص عليه أحمد وغيره من أئمة الحديث الموافقين للسلف .ولهذا يجوز في الشهادة للضرورة ما لا يجوز في غيرها .كما تقبل شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال .حتى نص أحمد على قبول شهادتهن في الحدود التي تكون في مجامعهن الخاصة .فالكفار الذين لا يختلط بهم المسلمون أولى ،والله أمرنا أن نحكم بينهم ،والنبي صلى الله عليه وسلم{[5626]} رجم الزانيين من اليهود ،ومن غير سماع إقرار منهما ولا شهادة مسلم .ولولا قبول شهادة بعضهم على بعض لم يجز ذلك .وفي تولي بعضهم مال بعض ،نزاع ،فهل يتولى الكافر العدل في دينه ،مال ولده الكافر ؟ على قولين والصواب المقطوع به أن بعضهم أولى ببعض وقد مضت السنة بذلك وسنة خلفائه .وقوله تعالى{ فآذوهما} أمر بالأذى مطلقا .ولم يذكر صفته ولا قدره .ولفظ ( الأذى ) يستعمل في الأقوال كثيرا .كقوله{[5627]}:{ لن يضروكم إلا أذى} والإعراض هو الإمساك عن الإيذاء .فالمذنب لا يزال يؤذى وينهى ويوبخ إلا أن يتوب .وأدنى ذلك هجره .فلا يكلم بالكلام الطيب .وهذه محكمة فمن أتى الفاحشة وجب إيذاؤه بالكلام الزاجر إلى أن يتوب .وليس ذلك محدودا بقدر ولا صفة .إلا ما يكون زاجرا له داعيا إلى حصول المقصود ،وهو توبته وصلاحه ،وعلقه تعالى على التوبة والإصلاح ،فإذا لم يوجدا ،فلا يجوز أن يكون الأمر بالإعراض موجودا ،فأما من تاب بترك الفاحشة ولم يصلح ،فتنازعوا:هل من شرط التوبة صلاح العمل ؟ على قولين .وهذه تشبه قوله تعالى{[5628]}:{ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} فعلق تخلية سبيلهم على التوبة والعمل الصالح .مع أنهم إذا تكلموا بالشهادتين وجب الكف عنهم .ثم إن صلوا وزكوا ،وإلا عوقبوا على ترك الفعل .لأن الشارع في التوبة شرع الكف عن أذاه .ويكون الأمر فيه موقوفا على التمام .وكذلك التائب من الفاحشة .وهذه الآية مما يستدل به على التعزيز بالأذى .والأذى ،وإن كان كثيرا يستعمل في الكلام ،فليس مختصا به .كقوله لمن بصق في القبلة{[5629]} ( إنك قد آذيت الله ورسوله ) وكذا قوله في حق فاطمة{[5630]} ( ويؤذيني ما آذاها ) وقوله{[5631]} لمن أكل البصل ( إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) وهل يكون من توبته اعترافه بالذنب ؟ فإذا ثبت الذنب بإقراره فجحد وكذب الشهود أو ثبت بشهادة شهود .فيه نزاع .فذكر أحمد أنه لا توبة لمن جحد .واستدل بقصة علي بن أبي طالب:أنه أتى بجماعة ممن شهد عليهم بالزندقة ،فاعترف منهم ناس فتابوا .فقبل توبتهم .وجحد جماعة فقتلهم .وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة{[5632]} ( فإن العبد إذا اعترف ثم تاب ،تاب الله عليه ) فمن أذنب سرا فليتب سرا ،كما في الحديث{[5633]} ( ومن ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر ) إلخ ،وفي ( الصحيح ){[5634]} ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) الحديث .فإذا ظهر من العبد الذنب فلا بد من ظهور التوبة .ومع الجحود لا تظهر التوبة .فإن الجاحد يزعم أنه غير مذنب .ولهذا كان السلف يستعملون ذلك فيمن أظهر بدعة أو فجورا .فإن هذا أظهر حال الضالين ،وهذا أظهر حال المغضوب عليهم .ومن أذاه منعه ،مع القدرة ،من الإمامة والحكم والفتيا والرواية والشهادة .وأما بدون القدرة ،فليفعل المقدور عليه .ولم يعلق الأذية على استشهاد أربعة ،وليس هذا من حمل المطلق على المقيد .لأن ذلك لا بد أن يكون فيه الحكم واحدا ،مثل الإعتاق .فإذا كان متفق في الجنس دون النوع كإطلاق الأيدي في التيمم ،وتقييدها إلى المرافق في الوضوء ،فلا يحمل .ولم يحمل الصحابة والتابعون المطلق على المقيد في قوله تعالى{[5635]}:{ وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في جحوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} وقوله تعالى{[5636]}:{ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} قالوا:الشرط في الربائب خاصة .قالوا:أبهموا ما أبهم الله .والمبهم هو المطلق .والمشروط فيه هو المقيد .لكن تنازعوا هل الموت كالدخول ؟ على قولين .وذلك لأن الحكم مختلف ،والقيد ليس متساويا في الأعيان .فإن تحريم جنس ،ليس مثل تحريم جنس يخالفه .كما أن تحريم الدم والميتة ولحم الخنزير ،لما كان أجناسا ،فليس تقييد الدم بالمسفوح موجبا تقييد الميتة والخنزير أن يكون مسفوحا .وهنا القيد قيد الربيبة بدخول أمها .والدخول بالأم لا يوجد مثله في حليلة الأب وأم المرأة إذ بالدخول في الحليلة ،بها نفسها .وهي أم المرأة ببنتها .وكذلك المسلمون لم يحملوا المطلق على المقيد في نصاب الشهادة .بل لما ذكر الله في آية الدين{[5637]}:{ فرجل وامرأتان} وفي الرجعة{[5638]} ( رجلين ) أقروا كلا منهما على حاله .لأن سبب الحكم مختلف وهو المال والبضع .كما أن إقامة الحد في الفاحشة والقذف بها اعتبر فيه أربعة ،فلا يقاس بذلك عقود الأثمان والأبضاع ،وذكر في حد القذف ثلاثة أحكام:جلد ثمانين ،وترك قبول شهادتهم أبدا ،وأنهم{[5639]} فاسقون ،إلا الذين تابوا ،الآية .والتوبة لا ترفع الجلد إذا طلبه المقذوف ،وترفع الفسق بلا تردد .والأكثر قالوا:ترفع المنع من قبول الشهادة .وإذا اشتهر عن شخص الفاحشة لم يرجم ،كما في ( الصحيح ){[5640]} ( إن جاءت به يشبه الزوج فقد كذب عليها .وإن جاءت به يشبه الرجل الذي رماها به ،فقد صدق عليها ) فجاءت به على النعت المكروه .فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ) فقيل لابن عباس:هذه التي قال فيها ( لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها ) فقال:( لا تلك امرأة كانت تعلن السوء في الإسلام فقد أخبر أنه لا يرجم أحدا إلا ببينة ) .ولو ظهر على الشخص السوء ودل الحديث على أن الشبه له تأثير في ذلك ،ولم تكن بينة .وكذلك ثبت عنه في الجنازة لما أثنوا عليها شرا ،والأخرى خيرا .فقال{[5641]} ( أنتم شهداء الله في أرضه ) وفي ( المسند ) عنه{[5642]} أنه قال:( يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا يا رسول الله ! وبم ذلك ؟ قال بالثناء الحسن وبالثناء السيء ) .فقد جعل الاستفاضة حجة وبينة في هذه الأحكام .ولم يجعلها حجة في الرجم .وكذلك تقبل شهادة أهل الكتاب على المسلمين في الوصية في السفر .وكذلك تقبل شهادة الصبيان في الجراح إذا أدوها قبل التفرق ،في إحدى الروايتين .وإذا شهد شاهد أنه رأى الرجل والمرأة أو الصبي في لحاف ،أو بيت مرحاض ،أو محلولي السراويل ،ويوجد مع ذلك ما يدل على ذلك ،من وجود اللحاف فقد خرج عن العادة إلى مكانهما أو يكون مع احدهما أو معهما ضوء قد أظهره ،فرآه فأطفأه فإن إطفاءه دليل على استخفائه بما يفعل .فإن لم يكن ما يستخفي به إلا ما شهد به ،الشاهد ،كان ذلك من أعظم البيان على ما شهد به فهذا باب عظيم النفع في الدين .وهو مما جاءت الشريعة التي أهملها كثير من القضاة والمتفقهة ،زاعمين أنه لا يعاقب أحد إلا بشهود عاينوا ،أو إقرار مسموع .وهذا خلاف ما تواترت به السنة وسنة الخلفاء الراشدين .وما فطرت عليه القلوب التي تعرف المعروف وتنكر المنكر .ويدل عليه قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الآية .ففيها دلالات:إحداها أنه لم يأمر بالتبين عند مجيء كل فاسق بكل نبأ ؛ إذ من الأنباء ما ينهى فيه عن التبين .ومنها ما يباح فيه ترك التبين .ومن الأنباء ما يتضمن العقوبة لبعض الناس ،لأنه علل بخشية الإصابة ،بجهالة .فلو كان كل ما أصيب بنبأ كذلك ،لم تحصل التفرقة بين العدل والفاسق ،بل هذه دلالة واحدة على أن الإصابة بنبأ العدل الواحد لا ينهى عنه مطلقا .وذلك يدل على قبول شهادة العدل الواحد في جنس العقوبات .فإن سبب نزول الآية يدل على ذلك .فإنها نزلت بإخبار واحد .أن قوما قد حاربوا بالردة أو نقض العهد .وفيه أيضا أنه متى اقترن بخبر الفاسق دليل آخر يدل على صدقه فقد استبان الأمر وزال الأمر بالتثبت .فيجوز إصابة القوم إذا .فكيف خبر العدل مع دلالة أخرى ؟ ولهذا كان أصح القولين ،أن مثل هذا لوث في القسامة فإذا انضاف أيمان المقسمين صار ذلك بينة تبيح دم المقسم عليه .وقوله:{ بجهالة} جعل المحذور هو الإصابة لقوم بلا علم .فمتى أصيبوا بعلم زال المحذور .وهذا هو المناط الذي دل عليه القرآن كما قال{[5643]}:{ إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} وقال{[5644]}:{ ولا تقف ما ليس لك به علم} وأيضا علل بخوف الندم .وهو إنما يحصل على عقوبة البريء من الذنب كما في ( السنن ){[5645]} ( ادرأوا الحدود بالشبهات فإن الإمام ،أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ) فإذا حصل عنده علم أنه لم يعاقب إلا مذنبا ،فإنه لا يندم ولا يكون فيه خطأ .وقد ذكر الشافعي وأحمد أن التغريب جاء في السنة في موضعين:أحدهما الزنى ،والثاني المخنث{[5646]} ،فيما روت أم سلمة:( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث وهو يقول لعبد الله أخيها:إن فتح الله لكم الطائف غدا ،أدلك على ابنة غيلان .فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أخرجوهم من بيوتكم ) .أخرجاه .وفي لفظ ( لا يدخل هؤلاء عليكم ) وفي رواية ( أرى هذا يعرف مثل هذا .لا يدخلن عليكم بعد اليوم ) وقال ابن جريج:هو هيت .وقال غيره:هنب .وقيل:ماتع .وذكر بعضهم أنهم ثلاثة:نهم وهيت وماتع .ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى .إنما كان تخنيثهم لينا في القول ،وخضابا في الأيدي والأرجل ،ولعبا كلعب النساء .وفي ( السنن ):( أنه أمر بمخنث فنفي إلى النقيع ) .فإذا كان الله أمر بإخراج هؤلاء من البيوت ،فمعلوم أن الذي يمكن الرجال من نفسه ،شر من هؤلاء:وهو أحق بالنفي .فإن المخنث فيه فساد للرجال والنساء .لأنه إذا تشبه بالنساء ،فقد يعاشرنه وهو رجل ،فيفسدهن .ولأنها إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل وتعاشر الصنفين .وقد تختار مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال .وأما إفساده للرجال فهو أن يمكنهم من الفعل به ،بمشاهدته وعشقه فإذا خرج إلى بلد ووجد هناك من يفعل به ،فهنا يكون نفيه بحبسه في مكان ليس معه غيره فيه .وإن خيف خروجه ؛ قيد ؛ إذ هذا هو معنى نفيه .ولهذا تنازع العلماء في نفي المحارب:هل هو طرده بحيث لا يأوي إلى بلد .أو حبسه ،أو بحسب ما يراه الإمام من هذا وهذا ؟ فعن أحمد ثلاث روايات:الثالثة أعدل وأحسن .فإن نفيه بحيث لا يأوي إلى بلد لا يمكن ،لتفرق الرعية واختلاف هممهم .وحبسه قد لا يمكن لأنه يحتاج إلى مؤونة .وروي أن هنبا لما اشتكى الجوع أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل المدينة من الجمعة إلى الجمعة يسأل ما يقيته ،والذي جاءت به الشريعة من النفي هو نوع من الهجرة وليس كنفي الثلاثة{[5647]} الذين خلفوا ،ولا هجرهم .فإنه لم يمنعهم من مشاهد الناس وحضور مجامعهم في الصلاة وغيرها .وذلك أن الله خلق الآدميين محتاجين إلى معاونة بعضهم بعضا .فمن كانت مخالطته تضر ،استحق الإخراج من بينهم ،لأنه مضرة بلا مصلحة .فإن الصبي إن رأى صبيا يفعل شيئا تشبه به .والاجتماع بالزناة واللوطية:فيه أعظم الفساد والضرر على الرجال والنساء والصبيان .فيجب أن يعاقب اللوطي والزاني بما فيه تقريعه وإبعاده .وجماع الهجرة هي هجرة السيئات وأهلها .وكذلك هجران الدعاة إلى البدع وهجران الفساق وهجران من يخالط هؤلاء كلهم ويعاونهم .وكذلك من يترك الجهاد الذي لا مصلحة لهم بدونه .فإنه يعاقب بهجرهم له ،لما لم يخالطهم في البر .فمن لم يهجر هؤلاء تاركا للمأمور فاعلا للمحذور .فهذا ترك المأمور من الاجتماع:وهذا فعل المحذور منه .فعوقب كل منهما بما يناسب جرمه .وما جاءت به الشريعة من المأمورات والعقوبات والكفارات وغير ذلك ،يفعل بحسب الاستطاعة .فإن لم يقدر المسلم على جهاد جميع المشركين ،جاهد من يقدر على جهاده .وإذا لم يقدر على عقوبة جميع المعتدين ،عاقب من يقدر على عقوبته .فإذا لم يكن النفي والحبس عن جميع الناس ،كان النفي والحبس على حسب القدرة .ويكون هو المأمور به ،فالقليل من الخير ،خير من تركه .ودفع بعض الشر خير من تركه كله .وكذلك المتشبهة بالرجال تحبس ،كحالها إذا زنت فإن جنس الحبس مما شرع في جنس الفاحشة .ومما يدخل في هذا:أن عمر نفى نصر بن حجاج من المدينة إلى البصرة ،لما شبب به النساء .وكان أولا قد أمر بأخذ شعره ليزيل جماله الفاتن ،فلما رآه من أحسن الناس وجنتين ،غمه فنفاه إلى البصرة .فهذا لم يصدر منه ذنب يعاقب عليه .لكن كان في النساء من يفتتن به ،فأمر بإزالة جماله الفاتن .فإن انتقاله من وطنه مما يضعف همته وبدنه ويعلم أنه معاقب .وهذا من باب التفريق بين الذين يخاف عليهم الفاحشة والعشق قبل وقوعه .وليس من باب المعاقبة .وقد كان عمر ينفي في الخمر إلى خيبر ،زيادة في عقوبة شاربها .ومن أقوى ما يهيج الفاحشة ،إنشاد أشعار الذين في قلوبهم مرض من العشق ومحبة الفواحش ،وإن كان القلب في عافية ،جعل فيه مرضا ،كما قال بعض السلف:والغناء رقية الزنا .ورقية الحية هي التي تستخرج بها الحية من جحرها .ورقية العين والحمة ورقية الزنى .أي تدعو إليه وتخرج من الرجل الأمر الخبيث .كما أن الخمر أم الخبائث .قال ابن مسعود:( الغناء ينبت النفاق في القلب ،كما ينبت الماء البقل ) .وقال تعالى{[5648]}:{ واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} واستفزازه إياهم بصوته يكون بالغناء ،كما قاله من قاله من السلف ،وبغيره من الأصوات كالنياحة وغير ذلك .فإن هذه الأصوات توجب انزعاج القلوب والنفوس الخبيثة إلى ذلك ،وتوجب حركتها السريعة واضطرابها .حتى يبقى الشيطان يلعب بهؤلاء أعظم من لعب الصبيان بالكرة .والنفس متحركة ،فإن سكنت فبإذن الله ،وإلا فهي لا تزال متحركة .وشبهها بعضهم بكرة على مستوى أملس ،لا تزال تتحرك عليه .وفي{[5649]} الحديث المرفوع ( القلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا ) وفي الحديث الآخر{[5650]} ( مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض تحركها الريح ) وفي البخاري عن ابن عمر{[5651]}:( كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ،ومقلب القلوب ) ولمسلم{[5652]} عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( اللهم مصرف القلوب ،صرف قلوبنا إلى طاعتك ) وفي الترمذي{[5653]}:( كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ،ثبت قلبي على دينك قيل:يا رسول الله ! آمنا بك وبما جئت به .فهل تخاف علينا ؟ فقال:نعم .القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها كيف يشاء ) انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله .
تنبيه:
قال السيوطي في ( الإكليل ):في قوله تعالى:{ الزانية والزاني فاجلدوا} الآية ،وجوب الحد على الزاني والزانية ،وأنه مائة جلدة .أي في البكر كما بينته السنة .واستدل بعمومه من أوجب المائة على العبد والذمي وعلى المحصن ،ثم يرجم .فأخرج{[5654]} أحمد عن علي أنه .( أتي بمحصنة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ،ثم قال:جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .واستدل الخوارج بالآية على أن حد المحصن الجلد دون الرجم ،قالوا:لأنه ليس في كتاب الله .واستدل أبو حنيفة بها على انه لا تغريب ،إذ لم يذكره .وفي الآية رد على من قال:إن العبد إذا زنى بحرة يرجم .وبأمة يجلد .وعلى من قال:لا تحد العاقلة إذا زنى بها مجنون ،والكبيرة إذا زنى بها صبي ،أو عكسه ،لا يحد .وعلى من قال:لا حد على الزاني بحربية أو بمسلمة في بلاد الحرب أو في عسكر أهل البغي .أو بنصرانية مطلقا .أو بأمة امرأته أو محرم .أو من استدخلت ذكر نائم ،واستدل بعمومها من أوجبه على المكره والزاني بأمة ولده والميتة .
قال ابن الفرس:ويستدل قوله:{ فاجلدوا} على أنه يجرد عن ثيابه .لأن الجلد يقتضي مباشرة البدن .وبقوله:{ مائة جلدة} على أنه لا يكتفي بالضرب بها مجموعة ضربة واحدة ،صحيحا أو مريضا .وفي قوله تعالى:{ ولا تأخذكم بهما رأفة} الحث على إقامة الحدود والنهي عن تعطيلها ،وأنه لا يجوز العفو عنها للإمام ولا لغيره .وفيه رد من أجاز للسيد العفو فاستدل بالآية من قال:إن ضرب الزنى أشد من ضرب القدف والشرب .وفي قوله تعالى:{ وليشهد عذابهما} الخ استحباب لحضور جمع ،عند جلدهما ،وأقله أربعة شهود الزنى .وقيل:عشرة وقيل:ثلاثة ،وقيل:اثنان .انتهى .
وتقدم عن ابن جرير أن الطائفة تصدق بالواحد ،لغة .فتذكر .