قوله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ( 29 ) } :
سببها أنه لما نزلت آية الاستئذان تعمد قوم فكانوا لا يأتون موضعا خربا ولا مسكونا إلا سلموا واستأذنوا فنزلت الآية {[10050]} . واختلف في المتاع ما هو ، فقيل معناه تجارات لكم {[10051]} أي لجماعتكم يبتاع بعضهم من بعض كما قال تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } فأجاز قائل هذا أن يدخل هذه البيوت بغير إذن . وقال عكرمة كان ابن عمر يستأذن في مثل هذه متاع البيت من الثياب والبسط وهو الذي يأتي على ما حكى الطبري عن مجاهد {[10052]} وهذا ضعيف جدا . وقيل هو المنافع عامة أي لكم فيها حاجة {[10053]} فعلى هذا يجوز للرجل أن يدخل البيوت غير المسكونة بلا إذن إذا كان لها إليها حاجة . وعلى القول الأول لا يجوز أن يدخلها إلا أن يكون له فيها متاع كالبسط والثياب ونحو ذلك ، أو تكون بيوتا موضوعة للتجارة على القول الآخر ولما أباح في هذه الآية دخول الرجل بيتا غير بيته بغير إذن وهو غير مسكون ونهى في الآية التي قبلها أن يدخل أحد بيتا غير بيته بغير إذن ولم يفرق بين مسكون وغيره ، فاختلف في ذلك ، فقيل الآية الأولى منسوخة بالأخيرة ، وهو قول ابن عباس {[10054]} وقد تكلمنا غير مرة على مثل هذا هل يصح فيه النسخ أم لا فلا معنى لإعادته . وقيل ليس في الآيتين ناسخ ولا منسوخ بل هما جميعا محكمتان وأن الآية الأولى يراد بها البيوت التي ليس لها ساكن ولا أرباب وأن الآية الأخرى يراد بها البيوت التي لا ساكن لها . وهذا القول أصح . وقد صرف قوم من أهل العلم في هذه البيوت أمثلة ، فقال محمد بن الحنفية {[10055]} وقتادة ومجاهد هي الحمامات والفنادق التي في طرق المسلمين . قال مجاهد لا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل . وقال عطاء هي الخرب التي يدخلها الإنسان للبول والغائط .
وقال ابن زيد والشعبي هي حوانيت القيسرية والسوق . وقال الشعبي لأنهم جاؤوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم . وهذا القول فاسد بإجماع لأن حوانيت القيسرية مشعولة بأموال الناس فلا يجوز أن يدخلها لا من أذن له ربها بإجماع . وقال محمد بن الحنفية أيضا أراد تعالى دور مكة على القول بأنها غير متملكة وأن الناس شركاء فيها وقد مر الكلام على ذلك {[10056]} .