– قوله تعالى : { وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا } إلى قوله : { وإذا خاطبهم } :
مدح الله تعالى عباده بالمشي هونا . فمن الناس من رد الهون إلى أخلاق الماشي{[10214]} ومنه من رده إلى المشي . ومن رده إلى الأخلاق اختلفوا في العبارات عن تفسيره والمعنى واحد . فقال مجاهد بالحلم والوقار . وقال ابن عباس بالطاعة والعفاف والتواضع . وقال الحسن : حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا . ومن رده إلى المشي قال : مشيا هونا أي رويدا . وروي عن الزهري أنه قال سرعة المشي يذهب بهاء الوجه . وهذا ضعيف إذ رب ماش هذه المشية وهو خداع مكار . قال بعضهم :
كلهم يمشي رويدا *** كلهم يطلب صيدا{[10215]}
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكفا في مشيه كأنه يمشي في صبب . وقال زيد بن أسلم : كنت أسأل عن هذه الآية فما وجدت في ذلك شفاء فرأيت في النوم من جاءني فقال : هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض {[10216]} فهذا التفسير راجع إلى الخلق .
قوله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } :
الجاهلون عام في الكفار وغيرهم من جاهلي المؤمنين . واختلفوا في معنى سلاما . فقيل معناه تسلما {[10217]} أي براءة {[10218]} وقيل معناه أن يقال لهم قولا {[10219]} سدادا أي كلاما برفق ولين {[10220]} . وقيل إنه يحتمل أن يراد به التحية ، قاله بعض شيوخنا المتأخرين . وهذا القول في حق الجاهلين من المؤمنين محكم غير منسوخ لأن حمل جفاء المسلم حسن ما لم يعد بمضرة . ولا بأس أن يسلم عليه بالتحية ويقابل بالقول الحسن . قال بعض شيوخنا وكذلك هي في حق الذمي الآية محكمة لأن الله تعالى قد أذن في ملاينته وبره لا في احتمال جفائه فإن ذلك لا يجوز لمسلم بحال . وأما الحربيون فالآية منسوخة في حقهم باتفاق وهذا من باب تخصيص العموم ، والمفسرون يسمونه نسخا وقد اختلف المفسرون {[10221]} في ذلك . والذي اعتمد عليه المفسرون أنها منسوخة في الكفار بآية السيف لأنها اقتضت الموادعة والمسالمة . وقد ذكر سيبويه {[10222]} النسخ في هذه الآية في كتابه ، وما تكلم على نسخ سواه ، ورجحه بأن المؤمنين لم يؤمروا بالسلام على الكفار . وقال المبرد {[10223]} كان ينبغي أن يقول : لم يؤمر المسلمون يومئذ بحربهم ثم أمروا بحربهم .
وجاء في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهدي {[10224]} وكان من المائلين على علي بن أبي طالب قال يوما بمحضر المأمون {[10225]} وعنده جماعة : كنت رأيت عليا بن أبي طالب في النوم فقلت له : إنما تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك . فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يذكر عنه . قال المأمون وبماذا جاوبك ؟ قال : كان يقول لي سلاما سلاما . قال الراوي وكان إبراهيم بن المهدي لا يحفظ الآية أو ذهبت عنه في ذلك الوقت فنبه المأمون على الآية من حضره وقال : هو والله يا عم علي بن أبي طالب وقد جاوبك بأبلغ جواب . فخزي إبراهيم واستحيى {[10226]} .