5 - قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي } إلى قوله : { فليستعفف } :
قال ابن عباس وابن زيد : يعني بالسفهاء من ولدك .
قال ابن جبر : السفهاء هنا النساء والصبيان ، والمعنى : لا تطلقوهم على أموالكم فيفسدوها ، فأما إعطاؤهم إياها مع صيانتهم لها فغير{[2763]} مختلف فيه ، وقال مجاهد : السفهاء النساء ، وكان يجب على هذا أن يقال السفائه أو السفيهات ، لأنه الأكثر في جمع فعيله .
وقال أبو موسى الأشعري وغيره : السفهاء هاهنا كل من يستحق الحجر ، وينشأ من هذه الأقوال النظر في قوله تعالى : { أموالكم } هل المراد به المجاز أم{[2764]} الحقيقة ؟
فيحتمل أن يراد به{[2765]} المجاز ، فيكون المراد بقوله : { أموالكم } أموالهم{[2766]} ، أي أموال{[2767]} السفهاء . ورجح بعضهم هذا التأويل وعليه يترتب أكثر أحكام السفهاء من أقوال العلماء ، وإنما أضافها إلى المخاطبين على جهة الاتساع ، لأنهم الناظرون لهم فيها فنسبت إليهم .
وقيل : إنما أضافها إليهم كما قال : { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] ، يعني : بعضكم بعضا ، وقال : { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم } [ النور : 61 ] ، يريد : من يكون فيها منكم ، ويحتمل أن يقال : إنه على حقيقته والمراد النهي عن دفع الرجل ماله إلى الصبيان والنساء حتى يستنفدوه في أسرع مدة{[2768]} . لكن الهبة لهم جائزة على أن لا يجعل{[2769]} في أيديهم ، لكن ينصب قيم عليهم في الموهوب لهم ، فمقتضى هذه{[2770]} الآية على هذا النهي عن تضييع الأموال .
وقوله تعالى : { وارزقوهم فيها } أي : منها .
وقوله تعالى{[2771]} : { وقولوا لهم قولا معروفا } :
قيل{[2772]} : قولوا لهم : إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم{[2773]} . وقيل : المعنى ادعوا لهم بالصلاح ، وقد اختلفوا {[2774]} فيمن بلغ سفيها مبذرا لماله ، فرأى مالك أن الحجر لا ينفك عنه{[2775]} ، وإن خضب بالحناء إلا أن يؤنس منه الرشد .
وقال أبو حنيفة : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة أسلم إليه ماله وإن كان مبذرا مضيعا ، ولظاهر{[2776]} قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } يرد ذلك{[2777]} .
واختلفوا{[2778]} أيضا هل يبتدأ الحجر{[2779]} على الأكابر المبذرين لأموالهم في غير الطاعة أم لا ؟ فذهب مالك وأكثر العلماء إلى أنه يحجر عليه ولا يؤتي ماله . وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يحجر على البالغ ابتداء ، ووافقه ابن سيرين والنخعي وزفر{[2780]} وظاهر الآية أيضا يرده لأنه سفيه ، وقد قال : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } ، وإذا ترك له ماله فقد أتيه ، فواجب أن يمنع منه ولا يؤتاه . واستدل عبد الوهاب على ذلك أيضا بقوله تعالى : { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } [ البقرة 282 ] ، فأثبت الولاية{[2781]} على السفيه ، وذلك يفيد ثبوت الحجر عليه .
ويختلف في الرجل يتصدق على المحجور{[2782]} عليه بمال و{[2783]} يشترط في صدقته أن يترك في/ يده ، ولا يضرب على يده فيها كما يفعل بسائر ماله ، هل له ذلك{[2784]} ؟
فالمشهور أن ذلك له{[2785]} واعترض بعضهم هذا{[2786]} القول ومرضه ، واحتج بقوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } الآية .
واختلف فيمن يخدع في البيوع هل يحجر عليه أم لا ؟ فقيل : لا يحجر{[2787]} لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن حبان أو حبان ابن منقذ : " إذا بايعت فقل : لا خلابة " {[2788]} ، وكان قد اشتكى إليه أنه يخدع في البيوع . وقال ابن شعبان{[2789]} يضرب على يديه فمن يخدع في البيوع على هذا القول داخل تحت قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } الآية ، ويعضد ذلك تأويل أبي موسى الأشعري في السفهاء .