وقوله تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } :
قيل : النحلة العطية على غير وجه المثوبة ، وقيل : معنى النحلة فريضة . وقيل : معناه دينا أي تعبدا . وقيل : سميت نحلة لأنه قد كان يجوز أن يعطين شيئا فنحلهن{[2740]} الله تعالى{[2741]} ذلك . وقيل : لا تكون نحلة إلا فيما طابت به النفس لا فيما أكره عليه . وفي هذه الآية رد لقول{[2742]} من يرى الصداق عوضا من البضع ، وهو قول كثير من الناس . /
والله تعالى قد سماه نحلة ، والنحلة ما لم يعتض عليه ، فهو{[2743]} نحلة من الله تعالى فرضها للزوجات على أزواجهن لا عن عوض من الاستمتاع بها ، لأن كل واحد منهما يستمتع بصاحبه ، ولهذا المعنى يفتقر عقد النكاح إلى تسمية صداق . ولهذا استحب بعضهم أن يكتب في الصدقات{[2744]} عوض هذا ما أصدق ، هذا ما نحل{[2745]} به فلان زوجه فلانة ، ذكره ابن شعبان .
وفي هذه{[2746]} الآية دليل على أن النكاح لا يكون إلا بصداق ، وليس الصدقات{[2747]} التي أمر الله تعالى{[2748]} بنحلتها غير الأعيان الممتلكة . فأما ما لم يكن عينا ممتلكا ، وإنما هو منفعة من المنافع التي لا تتملك كالإجارة على أن يحج بها أو نحوها{[2749]} أو تعليم قرآن{[2750]} وشيء منه{[2751]} خلافا للشافعي . وذكر اللخمي{[2752]} في النكاح عن الإجارة أو على أن يحج عن المرأة ثلاثة أقوال : الكراهية عن مالك ، والإجازة عن أصبغ{[2753]} ، والمنع عن ابن القاسم ؛ ثم قال : والقول بجواز جميع ذلك حسن ؛ لأن الإجارة والحج{[2754]} كغيرهما من الأموال التي تتملك وتباع وتشترى ، والصدقات في الآية على قوله : تجمع الأعيان والمنافع .
وقيل{[2755]} : سبب الآية أن الرجل كان يزوج الرجل أخته على أن يزوجه الآخر أخته ولا صداق لواحد منهما وهو الشغار ، وهو عندي أدل دليل على أن النكاح لا يجوز بالمنافع . واختلف في المخاطبين بهذه الآية ، فأكثر العلماء على أن المخاطب بها الأزواج{[2756]} . وقال بعضهم : هي للأولياء ، لأن الولي كان يأخذ الصداق لنفسه .
قوله تعالى{[2757]} : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا } :
لا خلاف في هذا{[2758]} أن الخطاب للأزواج وقوله منه : يعني من الصداق أو المال دل عليه الكلام أو الآية{[2759]}
قال أبو الحسن{[2760]} . . . . . . . . . . . . . . . . . هذه الآية تدل على{[2761]} أن للمرأة هبة الصداق لزوجها بكرا كانت أو ثيبا خلافا لمالك ، فإنه منع من هبة البكر الصداق لزوجها وجعل ذلك للولي مع أن ذلك لها وذلك في غاية البعد .
وقوله : " فكلوه " المراد منه{[2762]} الاستباحة بأي طريق كان . وعبر بالأكل عن أنواع التصرفات ، فليس الأكل مراد عينه ؛ ونظائر هذا كثيرة من الكتاب والسنة .