– قوله تعالى : { قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } :
اختلف في معنى الآية ، فذهب ابن عباس وعكرمة وعطاء وغيرهم إلى أن معنى الآية ما ندري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة . فقالوا وكان هذا في صدر الإسلام ثم بعد ذلك عرفه الله تعالى بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبأن المؤمنين لهم من الله فضل كبير وهو الجنة وأن الكافرين في نار جهنم . والحديث الذي وقع في جنازة عثمان بن مظعون يعضد هذا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : " فوالله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " {[10482]} . واختلف الذين ذهبوا إلى هذا هل يقال في هذا نسخ أم لا ؟ فقال بعضهم إن هذه الآية منسوخة بسورة الفتح وبقوله في المؤمنين : { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ( 47 ) } [ الأحزاب : 47 ] ولم ير بعضهم هذا نسخا {[10483]} وهو الصحيح لأنه عليه الصلاة والسلام لا يعرف إلا ما عرف فأخبر عن أول أمره قبل أن يعلمه الله تعالى بحاله وحال المؤمنين بما كان عليه في ذلك الوقت من عدم المعرفة بذلك ، ثم أعلمه الله تعالى بعد ذلك فعلم . وأي نسخ في هذا ، ومتى ثبت بعدم معرفته صلى الله عليه وسلم فارتفع بوجوبها فيسمى نسخا . والذي ينبغي أن يقال في الآية أن قوله تعالى : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } إنما يرجع إلى عدم المعرفة بالخاتمة وأما من مات على الإيمان فلم يزل عليه الصلاة والسلام من أول رسالته عالما فإنه ينجو ، وإلا فقد كان الكفار يحتجون عليه ، ويقولون كيف تدعوننا إلى ما لا تدري له عاقبة ، وكيف نركب معك هذا الخطر ولم نعلم أن أحدا من الكفار احتج بذلك . فثبت بهذا أنه تعالى لم يزل عالما بأن الموافى على الإيمان في الجنة وأن من وافى على ضد ذلك في النار . وبهذا المعنى تكون الآية باقية{[10484]} المعنى إلى يوم القيامة . وذهب الحسن بن أبي الحسن وغيره إلى أن معنى الآية : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا من أن أنصر عليكم أو تنصروا علي . وذكر بعضهم عن الحسن أن معناها : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا من غلاء أو رخص أو مرض أو غير ذلك من الأحداث . وقال قوم المعنى : ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي وما يلزم الشريعة من أغراضها . وقال بعضهم : نزلت الآية في أمر كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظره من الله تعالى في غير الثواب والعقاب . وروي عن ابن عباس أنه لما تأخر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة حين رأى في النوم أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وسبخة قلق المسلمون لتأخره فنزلت الآية . فالآية في هذه الأقوال كلها إنما هي في أمور الدنيا . ولا خلاف على أن ذلك بأن الآية محكمة مختلف في عدم الدراية إلى ما ترجع . والأصح من ذلك ما أشرنا إليه فيما تقدم .