- قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } :
وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط {[10514]} إلى بني المصطلق مصدقا . ثم اختلف الرواة في حاله ، فقيل إنه كان معاديا لهم فأراد إذايتهم فرجع من بعض طريقه وكذب عليهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم قد منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا {[10515]} فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وهم بغزوهم ونظر في ذلك . وبعث خالد بن الوليد فورد {[10516]} فوجدهم منكرين لذلك {[10517]} . وقيل إنه لما قرب منهم خرجوا إليه متلقين له فلما رآهم من بعد فزع منهم وظن بهم الشر وانصرف ، فقال ما ذكرناه . وقيل إنه لما قرب منهم بلغه عنهم أنهم قالوا لا نعطيه الصدقة فعمل على صحة هذا الخبر وانصرف فقال ما ذكرناه ، فنزلت الآية بهذا السبب . والمشار إليه في الآية لفاسق هو الوليد على ما قال جماعة من المفسرين ثم هي باقية فيمن اتصف بهذه الصفة آخر الدهر . والفاسق هو كل من ظهرت جرحته على غير {[10518]} تأويل منه فيها بشهادة مثل هذا ، وروايته غير مقبولة باتفاق . واستثنى الجميع من جملة ذلك ما لا تعلق له بالشهادة ولا بالراوية مثل قول الفاسق : قد أهدى له فلان هذه الهداية ونحو ذلك . قالوا وكذلك {[10519]} يقبل في مثل هذا خبر الكافر . واستدل بعضهم بهذه الآية على وجوب قبول خبر الواحد إذا كان عدلا لأنه تعالى أمر بالتثبت في نبأ الفاسق . فنبأ {[10520]} العدل إذا بخلافه على القول بدليل الخطاب وبوجوب العمل بخبر {[10521]} الواحد {[10522]} . قال مالك والجماهير : وذهبت القدرية ومن تابعهم من أهل الظاهر إلى أن العمل به محرم . وهذا قول فاسد ترده الأصول . وإذا قلنا بقبول خبر الواحد فهل يقبل في ذلك رجل واحد أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه يقبل في ذلك الواحد . وذهب الجبائي {[10523]} إلى أنه لا يقبل إلا خبر رجلين . وقال قوم لا بد من أربعة . ودليل خطاب الآية التي يدل على قبول خبر الواحد يرد هذين القولين ويصحح القول الأول لأن الذي جاء بالنبأ المذكور في الآية إنما كان واحدا فنهى عن قبوله فدل أن الواحد إذا كان عدلا بخلافه ، فيجب إذن على ذلك أن يقبل خبر الواحد بين الأصوليين في مثل هذا الاستدلال خلاف . واستدل بعضهم بالآية أيضا على أن المسلمين على الجرحة حتى تثبت العدالة ، وهو قول مالك وأصحابه ، وردوا بذلك قول أبي حنيفة ومن تابعه أنهم محمولون على العدالة حتى تثبت الجرحة ، قالوا لأن الله تعالى أمر بالتثبت في خبر الفاسق . والمجهول الحال يحتمل أن يكون فاسقا فيجب التثبت أيضا في قوله ، فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة . فنص الآية أن الفاسق لا تقبل روايته ولا شهادته وقد أجاز أبو حنيفة عقد النكاح بشهادة فاسقين أو محدودين ، وكذلك أجاز في الشهادة على الهلال في رمضان شهادتهما ، وفي الآية ما يرد ذلك . وقد اختلف في شهادة الفاسق المتأول ، مثل أهل الأهواء كالخوارج وغيرهم . ومذهب الشافعي قبولها ومذهب مالك وغيره ردها . وعموم الآية حجة لهم . وكذلك اختلف في شهادة الكفار بعضهم على بعض ، فمنعها الجمهور وأجاز أبو حنيفة شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ، وشهادتهم على غيرهم من أهل الكفر والآية حجة لقول الجمهور لأن الفاسق إذا لم تقبل شهادته فالكافر أولى لأن الكفر فسق وزيادة .