– قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } :
اختلف في سبب الآية . فقيل نزلت في الأغنياء لأنهم غلبوا الفقراء على مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مجلسه ، قاله مقاتل {[10659]} . وقيل إن طائفة من شباب المؤمنين وأغفالهم كانت مناجاتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في غير حاجة إلا لتظهر منزلتهم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم سمحا لا يرد أحدا فنزلت الآية مشددة عليهم أمر المناجاة ، قاله ابن عباس وغيره . وقيل نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون إنه أذن فيسمع كل ما يقال له ، وكان لا يمنع أحدا من مناجاته فكان ذلك شق على المسلمين لأن الشيطان كان يلقي في نفوسهم أنهم ناجوه بأن جموعا اجتمعت لقتاله فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول } [ المجادلة : 9 ] ، فلم ينتهوا فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فانتهى أهل الباطل عن النجوى لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة{[10660]} . وهذه الآية منسوخة باتفاق من المفسرين نسخها قوله تعالى بعد هذه الآية : { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة . . . } الآية [ المجادلة : 13 ] . وقيل نسختها آية الزكاة {[10661]} . والقول الأول هو الصحيح فأباح الله تعالى لهم المناجاة دون تقديم صدقة بعد أن كان منع من ذلك . إلا أنه اختلف هل كان هذا النسخ بعد أن عمل بالآية أم لا ؟ فقالت طائفة : نسخت هذه الآية قبل أن يعمل بها ، وهذه من نسخ الأمر قبل التمكن من امتثاله . وفيه اختلاف بين أهل السنة والقدرية كمسألة إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه . وقالت طائفة لم تنسخ حتى عمل بها وصححوا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : ما عمل بها أحد غيري وأنا كنت سبب الرخصة والتخفيف على المسلمين وذلك أني أردت مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ضروري فصرفت دينارا بعشرة دراهم ثم ناجيته عشر مرار في كل مرة درهما ، وروي عنه أنه تصدق في كل مرة بدينار ، قال : ففهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه العبادة قد شقت على الناس فقال : " يا علي كم ترى أن يكون حد هذه الصدقة ؟ أتراه دينارا " قلت : لا ، قال : " فنصف دينار " قلت : لا يطيقونه ، قال : " فكم ؟ " قلت حبة من شعير ، قال : " إنك لزهيد " ، فأنزل الله تعالى الرخصة {[10662]} يريد للواجدين . وأما من لم يكن يجد فالرخصة لم تزل ثابتة له لقوله تعالى : { فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } {[10663]} . وقد اختلف في تعزية المسلم بابنه الكافر ، فحرمها مالك في الجنائز من العتبية واحتج بقوله تعالى : { ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } [ الأنفال : 72 ] وضعف غيره هذا الاستدلال ، كذا قال . . . . {[10664]} وقال لو احتج بقوله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } [ التوبة : 71 ] وبقوله : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله . . . . } [ المجادلة : 22 ] ، لكان أظهر وإن لم يكن دليلا قاطعا . قال وقد روي عن مالك إجازة تعزية الكافر بابنه الكافر لتمام جوار فيقول له : إذا مر به : بلغني ما كان من مصابك بابنك ، الله يكتبه من خيار ذوي ملته . قال : والمسلم بالتعزية أولى . اختلف في مدة بقاء هذا الحكم ، فقيل عشرة أيام ، وقيل ساعة من نهار .