– قوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا } :
نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائما على المنبر يخطب يوم الجمعة فأقبلت عير من الشام تحمل طعاما ، وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي{[10741]} وكان من عرفهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والمعازف والصياح سرورا بها . فلما دخلت العير كذلك انفض أهل المسجد إلى رؤية ذلك وتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر ولم يبق معه غير اثني عشر رجلا . قال جابر بن عبد الله : أنا أحدهم . وذكر بعضهم أن منهم العشرة المشهود لهم بالجنة ، فهؤلاء أحد عشر . واختلف في الثاني عشر فقيل عمار بن ياسر . وقيل عبد الله بن مسعود . وذكر عن ابن عباس أن الذين بقوا معه صلى الله عليه وسلم ثمانية نفر {[10742]} . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لولا . . . . " {[10743]} لقد كانت الحجارة سومت على المنقضين في السماء . وقال قتادة : بلغنا أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات كانت العير قد وافقت فيها دخولها يوم الجمعة .
قوله تعالى : { وتركوك قائما } :
أي قائما في خطبتك . وقد اختلف في الخطبة هل هي من فرائض الجمعة أو سننها ؟ فالمشهور أنها من فرائضها . ذكره ابن المواز والأبهري . وذهب ابن الماجشون إلى أنها سنة ، وهو اختيار ابن زرب {[10744]} . والقولان في الثمانية . والدليل على القول الأول قوله تعالى : { وتركوك قائما } . واختلف هل من شرط صحة الجمعة الجماعة أم لا ؟ والأظهر أنها من شروطها وهو ظاهر الآية لأنه تعالى أمر بالاجتماع عند النداء ، والخطبة إنما هي بعد النداء ، فلو أن من شرط الخطبة الجماعة لما أمر بالاجتماع قبل الخطبة . واختلف أيضا هل من شرط صحة الصلاة استدامة الجماعة من أول الصلاة إلى آخرها أم لا على ثلاثة أقوال : أحدها : أن ذلك من شروط صحتها وأن الناس لو انفضوا عنه قبل السلام حتى لم يبق معه إلا من لا يجزئ بهم الجمعة لبطلت الصلاة . والثاني : أن الصلاة جائزة إذا لم ينفضوا عنه حتى صلى ركعة . والثالث : أنه إذا أحرم بالصلاة فصلاة الجمعة جائزة وإن انفضوا عنه قبل ركعة . وهو ظاهر الآية . واختلف في القيام في الخطبة هل هو شرط فيها أم لا ؟ فعند الشافعي أنه شرط فيها لا تجزئ بالقعود . وفي المذهب أنه ليس بشرط وأنها تجزئ بالقعود . وحجة الشافعي قوله تعالى : { وتركوك قائما } فحمل ذلك على ظاهر الآية من القيام ورآه واجبا . ولم ير مالك أن ما صنعه صلى الله عليه وسلم من ذلك كان على الإيجاب بل رأى أنه كان منه على الاستنان . واختلف في سنة الخطبة ففي المذهب أن سنتها أن يجلس في أولها ووسطها وقال عطاء ما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وما كان يخطب إلا قائما . وأول من جلس عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في آخر زمانه حين كبر ، فكان يجلس هنيأة . وقال أهل العراق لا يجلس بين الخطبتين . ومن حجة من لا يرى الجلوس أن الآية أعطت القيام ولم تعط شيئا من القعود فيها فوجب أن تحمل على ظاهرها في القيام في الخطبة كلها . ومن حجة القول الأول أن الآية وإن كان ظاهرها كذلك فقد أزال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الظاهر بفعله وبين المراد بالآية بما فعله من الجلوس في الخطبة ، وإذا قلنا بالجلوس بين الخطبتين فإن تركه أجزأه . وقال الشافعي لا يجزئ . والأظهر قول مالك لأن ذلك لم يكن واجبا عليه مع أن ظاهر الآية يرده . وقال الشافعي لا يجزئ . واختلف في السفر يوم الجمعة إذا زالت الشمس . ففي المذهب أنه محرم ، وعند أبي حنيفة أنه جائز . وظاهر الآية أنه محرم لأنه ليس بين الزوال والنداء قدر يراعى . وقد أمر الله تعالى عند النداء بالسعي إلى الجمعة وترك غير ذلك ، فمن سافر في ذلك الوقت فقد خالف الأمر بالسعي وعصى فيجب أن لا يجزئه ذلك . وأما السفر أول النهار فغير محرم خلافا للشافعي في أحد قوليه أنه محرم لأن ذلك الوقت غير مأمور فيه بالاجتماع للصلاة فوجب أن يجوز فيه السفر كسائر الأوقات ، هذا ظاهر الآية {[10745]} .