وقوله تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } :
اختلف في الزينة هنا . فقيل : الثياب الساترة ، قال مجاهد والسدي . وقال بعضهم : الزينة ما يتجمل به ويدخل فيها ما كان من أخذ {[8331]} الطيب {[8332]} للجمعة والسواك وبدل الثياب وكل ما وجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به مستعمله الخيلاء {[8333]} . وذكر بعضهم حديثا في أن معنى قوله تعالى : { خذوا زينتكم } صلوا في النعال {[8334]} . وإذا قلنا إن المراد بالزينة ما يتجمل به ففي ضمن الأمر بالزينة الأمر بالستر . وظاهر هذا أن أخذ الزينة عند كل مسجد إنما هو للفعل الذي يتعلق بالمسجد وللمسجد تعظيما لهما . والفعل الذي يتعلق بالمسجد{[8335]} الاعتكاف والصلاة والطواف{[8336]} وإذا صح أن {[8337]} الأمر بذلك للوجهين جميعا لم يدل ظاهر ذلك على وجوب ستر العورة في الصلاة مطلقا مع أن القدر الذي يستر العورة لا يسمى زينة وتجملا . وكثير من الفقهاء رأوا في ذلك دلالة على وجوب ستر العورة مطلقا ولم يشترطوا المسجد . قالوا لأن الأمر بذلك عند كل مسجد لم يكن لعين المسجد وإنما كان للفعل الواقع في المسجد وهو الاعتكاف والصلاة والطواف{[8338]} . وإذا لم يجب الستر للمسجد وإنما وجب لأجل {[8339]}ما عظم له المسجد وهو الصلاة . فقد وجب الستر للصلاة وإذا وجب لها كان شرطا في صحتها إلا{[8340]} أن الدليل قام على أن الزيادة على ستر العورة التي يقتضيها لفظ الزينة قد قام الدليل على أنها غير واجبة يبقي مقدار الستر واجبا . وقال بعضهم : عند كل مسجد يريد عند كل موضع سجود إشارة إلى الصلوات . وإذا قلنا إن الآية في الأمر بستر العورة للصلاة فقد اختلف هل سترها فرض من فروض الصلاة أم من سننها . فبين أصحاب مالك فيه خلاف{[8341]} واحتج من يرى ذلك فرضا بهذه الآية : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } فأمر بالستر عند الصلاة وهذا مبني على الخلاف في الأمر هل هو على الوجوب أم لا . فأما أن ستر العورة فرض في الجملة فلا خلاف في ذلك . اختلف هل يجب على الإنسان ستر عورته في الخلاء{[8342]} كما يجب في الملأ{[8343]} .
فلم يوجبه الجمهور ورأوا أن المنع من الكشف إنما هو من أجل الناس وإذا لم يكونوا جاز . وذهب قوم إلى أنه يجب ومن حجتهم ما يقتضيه قوله تعالى : { يواري سوءاتكم } وسائر الآيات التي نزلت بستر العورة وذلك على العموم حتى يدل دليل على التخصيص . وأيضا فإن قوله تعالى في أثناء الكلام في الشيطان أنه { يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } دليل على ذلك . لأنه إن كانت العلة في{[8344]} الستر خوف الرؤية ففي الخلاء رؤية الشيطان موجودة فينبغي أن لا ينكشف . واختلف في المرأة تصلي بغير قلادة أو قرطين . فلم يجزه جماعة من السلف لها وأجازه الأكثر وحجة من لم يجزه قوله تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } . وقد احتج {[8345]} مالك بالآية أيضا في كراهية الصلاة في مساجد القبائل بغير أردية {[8346]} .
- وقوله تعالى : { وكلوا واشربوا } :
أمر تعالى بترك ما التزمته العرب من تحريم الودك واللحم في أيام المواسم . وقوله تعالى : { ولا تسرفوا } قد خصصه بعض المفسرين بأشياء . والصواب أن يحمل على عمومه في المحظور والمباح فمن تلبس بشيء من الحرام {[8347]} فهو مسرف بأول تلبسه . ومن تلبس بمباح فمن اقتصد {[8348]} فحسن ومن{[8349]} أفرط بزيادة أو نقصان فهو إسراف {[8350]} منهي {[8351]} عنه . ولذلك وقف النبي صلى الله عليه وسلم بالموصى على الثلث {[8352]} . وقد اختلف من هذا في مسألة وهي صدقة الرجل بجميع ماله هل تجوز أم لا ؟ فأجازه مالك ولم يجزه سحنون والحجة لمن لم يجزه قوله تعالى : { ولا تسرفوا } وهذا إسراف وقوله تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } [ الفرقان : 67 ] . وهذا القول قد رجحه بعضهم لتعلقه بظاهر الآي .