– قوله تعالى : { وثيابك فطهر ( 4 ) والرجز فاهجر ( 5 ) ولا تمنن تستكثر ( 6 ) ولربك فاصبر ( 7 ) } :
اختلف في معنى قوله تعالى : { وثيابك فطهر ( 4 ) } فقيل هو أمر بتطهير الثياب حقيقة ، قاله ابن زياد وابن سيرين والشافعي وغيرهم . واستدل الشافعي بهذه الآية على إيجاب غسل النجاسات من الثوب ورد به قول مالك وأصحابه وأهل المدينة أن ذلك ليس بواجب . وفي المذهب قولان : أحدهما : إزالة النجاسة للصلاة فرض . والثاني : أنها سنة . ودليل مالك من تابعه على أنها سنة الإجماع على جواز الصلاة بالاستجمار من غير غسل . قال الباجي : والدليل على وجوب الإزالة قوله تعالى : { وثيابك فطهر ( 4 ) } ولا خلاف أنه ليس هنا طهارة واجبة للثياب غير طهارة النجاسة {[10839]} . فإن قيل إن الثياب هنا القلب بدليل أن هذه الآية أول ما نزل من القرآن قبل الأمر بالصلاة والوضوء ، وإزالة النجاسة إنما هو لأجل الصلاة ، فالجواب أن الثياب أظهر في القياس فيجب أن يحمل عليه ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خص بذلك في أول الإسلام وفرض عليه دون أمته . ثم ورد الأمر بذلك لأمته . وجواب ثان : وهو أن شرع من قبلنا شرع لنا فيحتمل أن يكون قد اتسع في الصلاة شرع من قبلنا من النبيين فوجب بذلك اتباعهم وتأخر الأمر به بنص شرعنا عن ذلك الوقت ، فلا يمتنع أن يكون قد أمر على الوجهين بتطهير الثياب للصلاة في أول الأمر ثم ورد عليه بعد ذلك نص بالأمر بالصلاة . وقيل تطهير الثياب هنا استعارة لتنقية الأفعال والنفس والعرض كما تقول : فلان طاهر الثوب ، وهو قول الجمهور . وقال طاووس المعنى : قصر ثيابك وشمرها فإن لك طهرة للثياب . وهذا يأتي على قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ما أسفل من ذلك ففي النار " {[10840]} . وقوله : " لا ينظر الله تعالى يوم القيامة إلى من يجر إزاره بترا " {[10841]} ونهيه عن إسبال الإزار ، والأحاديث في مثل هذا كثيرة . وقيل معناه : وقلبك فطهر فكنى بالثياب عن القلب {[10842]} .