قوله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } :
اختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة ، والذين ذهبوا إلى أنها منسوخة قالوا إنها نزلت والمسلمون قليل فأمر الله فيها بالقتل وعاتب على الأسر وترك القتل ، فلما كثر المسلمون واشتدت شوكتهم أنزل الله تعالى التخيير فقال : { فإما منا بعد وإما فداء } [ محمد : 4 ] وروي عن ابن عباس . وقال بعضهم كان الله تعالى قد أمر بإكثار القتل بقوله : { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } [ الأنفال : 12 ] فأبى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلا أسر بعضهم رغبة في الفداء فصار ذلك معصية منهم ومخالفة فنزلت الآية {[8791]} .
والذين ذهبوا إلى أنها محكمة اختلفوا فقالت جماعة الآية خبر ، أخبر الله تعالى فيها أنه لا يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، فلما أثخن في الأرض كان له أسرى ، والأخبار لا تنسخ . وقيل إن سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع أسارى {[8792]} بدر استشار فيهم أصحابه . فقال أبو بكر : يا رسول الله هم قرابتك ولعل الله تعالى أن يهديهم بعد للإسلام ففادهم واستبقهم ويتقوى المسلمون بأموالهم . وقال عمر بن الخطاب : لا يا رسول الله بل تضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر . وقال عبد الله بن رواحة {[8793]} بل نجعلهم في واد كثير الحطب ثم نضرم عليهم نارا . وقد كان سعد بن معاذ قال وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وقد رأى الأسارى قد كان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال . فأخذ بقول أبي بكر فنزلت الآية تخبر أن الأولى والأهيب على سائر الكفار القتل {[8794]} .