قوله تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } إلى قوله : { فاستقيموا لهم } :
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بعد أن أمر بقتال المشركين أن يكون متى طلب منه مشرك عهدا ليسمع القرآن ويرى حال المسلمين فأما أن يسلم أو أن ينكص على عقبيه أن يعطيه ما سأل من العهد وهي الإجارة . ثم أمر بتبليغه إلى مأمنه إذا لم يرض الإسلام وأراد الرجوع إلى مأمنه . وقد اختلف العلماء هل هذا الحكم الذي اقتضته الآية محكم أو منسوخ لا يجوز أن يفعل مع المشرك . فذهب جماعة إلى أنه محكم وأن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم من الأئمة {[8892]} بل {[8893]} من المجاهدين حكم {[8894]} في ذلك ولا يحل للمجاهدين أن يقتلوا الكافر مع طلبه ذلك وأنها سنة قائمة إلى يوم القيامة ، وهو قول الحسن ومجاهد . وقال قوم هو محكم ولكنها كانت في هذه الأربعة أشهر التي ضربت لهم أجلا ولم يعد إلى غير ذلك الوقت . وإذا قلنا بالقول الأول فلا يحل أن يخلوا المجاهدين من عالم يقوم بالمناظرة وإقامة الأدلة لأنه لا يؤمن أن يكون في الكفار من يطلب ذلك ، والأمر في هذه الآية على الوجوب بخلاف الإجارة بغير الغرض المذكور في الآية . وذهب جماعة إلى أن هذا منسوخ بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ براءة : 5 ] وإلى هذا ذهب الضحاك والسدي {[8895]} .
– وقوله تعالى : { حتى يسمع كلام الله } :
يعني القرآن .
وقوله تعالى : { ذلك بأنهم قوم لا يعلمون } تنبيه بأنه إنما أمر بإجارتهم على الوجه المذكور لأنهم لا يدرون ما يدعوهم إليه المسلمون فينبغي أن يعلموا بذلك وحينئذ يقاتلون إن لم يقبلوا لأنه يعلم بذلك أنهم معاقدون ، وفي هذه إشارة إلى الدعوة وقد مر الكلام عليها .