وقوله تعالى : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } :
هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن أبي بن سلول حيث توفي . فروى أنس {[9233]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقدم للصلاة جاء جبريل عليه السلام فجذب بثوبه فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه {[9234]} ففي هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه . وقيل بل صلى عليه وأن الآية إنما نزلت بعد ذلك . وروي أن ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول {[9235]} جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه فرغب في {[9236]} أن يصلي عليه وفي أن يكسوه قميصه الذي يلي بدنه ، وقيل إن ابن أبي قبل موته قد كان رغب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له ويصلي عليه فأجابه . فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه قام إليه عمر وقال يا رسول الله : أتصلي عليه وقد نهى الله تعالى عن الاستغفار لهم/ وجعل يعدد أفعال عبد الله . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أخر عني يا عمر فإني خيرت ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت " وفي حديث آخر : " أن قميصي لا يغني عنه من الله شيئا وأني لأرجو أن يسلم بفعلي هذا ألف رجل من قومي " كذا في بعض الروايات ، يريد من منافقي العرب ، وفي بعض الروايات من قومه . فسكت عمر وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله ثم نزلت هذه الآية بعد ذلك {[9237]} وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم إما لموضع إظهار الإيمان وإما لأنه لم يتحقق كفره ولو تحقق كفره لما صلى عليه . وجاء أنه تاب بهذه الفعلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة في إسلام {[9238]} عبد الله ألف رجل من الخزرج . وجاءت أحاديث شتى تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على عبد الله منها حديث جابر قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما دفن فأمر به فأخرج فوضعه بين ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه {[9239]} .
واختلف في هذه الآية هل هي ناسخة أم لا ؟ فقيل هي ناسخة لقوله تعالى : { وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم } [ براءة : 103 ] وهذا قول فاسد لأن قوله { وصل عليهم } في غير المنافقين ، وهم الذين تابوا . وقوله : { ولا تصل } في المنافقين . وقيل هي ناسخة لقوله تعالى : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } وقد تقدم الكلام على هذا . وقيل هي ناسخة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، يريدون من الصلاة على عبد الله بن أبي . وهذا على القول بأنه صلى عليه . فهذه ثلاثة أقوال لمن زعم أنه ناسخ . وقيل ليس بناسخ وإنما فيه إعلام بحكم ما ، وعلى هذا يأتي قول من لم ير أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على عبد الله بن أبي {[9240]} . وقد اختلف في الصلاة على الجنائز هل هي سنة أو فرض كفاية على قولين . والأظهر أنه كفاية . قال بعضهم والدليل على ذلك قوله تعالى : { ولا تصل على أحد منهم } يعني المنافقين . ودليل هذا وصل على غير المنافقين من المؤمنين .