وفي هذه الحال التي كانت الدماء تسيل من أيدي النسوة وقد لاحظن ملامح يوسف كلّها وصرن أمامه «كالخُشُبِ المسنَّدة » كشفن عن أنّهن لسن بأقل من امرأة العزيز عشقاً ليوسف ،فاستغلّت امرأة العزيز هذه الفرصة ف( قالت فذالكن الذي لمتنّني فيه ) .
فكأنّ امرأة العزيز أرادت أن تقول لهنّ: لقد رأيتن يوسف مرّة واحدة فحدث لكنّ ما حدث وفقدتُنّ صوابكن وقطعتن أيديكن من جماله وعشقه ،فكيف اُلام وأنا أراه وأسكن معه ليل نهار ؟!
وهكذا أحسّت امرأة العزيز بالغرور لأنّها وُفّقت في ما ألقته من فكرة وأعطت لنفسها العذر ،واعترفت بكلّ صراحة بكلّ ما فعلت وقالت: ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) .
وبدلا من أن تظهر الندم على كلامها أو تتحفّظ على الأقل أمام ضيوفها ،أردفت القول بكلّ جدّ يحكي عن إرادتها القطعيّة: ( ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ ) ...ولا أكتفي بسجنه ،بل ( وليكوناً من الصاغرين ) .
ومن الطبيعي أنّه إذا اكتفى عزيز مصر إزاء خيانة امرأته بالقول: ( استغفري لذنبك ) فينبغي أن تجرّ امرأته الفضيحة إلى هذه المرحلة ..وأساساً فإنّ مثل هذه الأُمور والمسائل في قصور الفراعنة والملوك ليست أمورا مهمّة .
ينقل البعض روايات عجيبة مؤدّاها أنّ بعضاً من نسوة مصر أعطين الحقّ لامرأة العزيز ودرن حول يوسف ليرغبّنه بأن يستسلم لحبّها وكلّ واحدة تكلّمت بكلام !
فقالت واحدة: أيّها الشاب ما هذا الصبر والدلال ،ولِمَ لا ترحم هذه العاشقة الواهبة قلبها لك ،ألا ترى هذا الجمال الآسر ؟أليس عندك قلب ؟!ألست شابّاً ؟ألا تستلذّ بالعشق والجمال ،فهل أنت حجارة أو خشب ؟!
وقالت الثّانية: إذا كنت لا تعرف عن الجمال والعشق شيئاً ..لكن ألا تدري أنّ امرأة العزيز ذات نفوذ وقدرة ..ألا تفكّر أن لو ملكت قلبها فستنال كلّ شيء وتبلغ أيّ مقام شئت ...
وقالت الثّالثة: إذا كنت لا ترغب في جمالها المثير ولا تحتاج إلى مقامها ومالها ،ولكن ألا تعرف أنّها ستنتقم لنفسها بما اُوتيت من وسائل الانتقام الخطرة ،ألا تخاف من السجن ووحشته ومن الغربة المضاعفة فيه ؟!