المفردات:
لمتنني فيه: أي: هذا الذي غبتنّني فيه وعيرتنّني .
فاستعصم: فامتنع ؛طلبا للعصمة ،وبالغ في ذلك .
من الصاغرين: من الأذلاء .
التفسير:
32{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ...}
أحست زليخا أنها انتصرت على بنات جنسها ؛فقد كن يلمنها ،ويتصورن يوسف بصورة أدنى ،فلما شاهدنه ؛بهرهن جماله ،وشهدن له بأن حسنه ليس لبشر ،بل هو حسن الملاك .أي: أن حسنه خارج عن صفات البشر ،والمراد: الإعجاب والدهشة والانبهار بما يملك يوسف من جمال بارع ،فائق ،خارج عن حد البشر .
وفي صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم شاهد في السماء الثالثة يوسف .وقد أعطى شطر الحسن .
ثم وجهت امرأة العزيز الخطاب إلى جمع النسوة فقالت: إن هذا الفتى العبراني ،هو الذي لمتنّني في الافتتان به ،والوقوع في حبه ،وقد فتنكن ؛فقطعتن أيديكن ،وأنا أعيش معه ليل نهار ،وأشاهده صباح مساء ،ولقد راودته عن نفسه ،وطلبت منه الجماع فامتنع امتناعا كاملا .
وجاء في تفسير الكشاف للزمخشري:
أي: أردت أن أنال وطري منه ،وأن أقضي شهوتي معه ،فامتنع امتناعا شديدا ،وأبى إباء عنيفا .والاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ و التحفظ الشديد .
{وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ} .
وجهت زليخا تهديدا إلى يوسف أمام النسوة ،وقد كان أمرها معه سرا لكنها صرحت برغبتها فيه ،وأوعزت إلى النسوة بمعاونتها .ولعل لهذه النسوة من حركاتهن المثيرة ؛وملابسهن الكاشفة عن مفاتنهن ؛ما يثير الرغبة ويزلزل كيان المستعصم .
كان يوسف قد امتنع عن مضاجعة المرأة ،فذاقت آلام الهجر ،وسهر الليل ،والحرمان والإحباط ؛فهددته بأنه إذا أصر على إبائه ،ولم يفعل ما آمره به من المضاجعة ؛ليوضعن في السجن مع السرّاق والمجرمين والقتلة ،وليذوقن الصغار والذل بينهم ،فقد زهد في أميرة تلبس الحرير والديباج ،متهيأة لتلبية طلبه ،فليذق مثلها سهر الليالي مع المجرمين العتاة ،وليجلس على الأماكن الخشنة ،وليعاني آلاما مبرحة ؛عقابا له على إهانتي ،وعدم تلبية أمري !
وهكذا نشاهد تعنت المرأة وتبجحها ؛فهي تجاهر بالمعصية ،وتهدد المستعصم المستقيم ،وتستعين بالنسوة على إغرائه ،وتيسير أمره ؛حتى يلبي دعوة الفاحشة .
ومن كل ما سبق نشاهد كمال يوسف ،وزهده في هذه المرأة وفي أمثالها ،بل واتجاهه إلى الله تعالى ؛ليحفظه من هذا الإغراء المتتابع .