التّفسير
قسمٌ آخر من دلائل عظمة الله:
يتطرّق القرآن الكريم مرّةً ثانية إلى آيات التوحيد وعلائم العظمة وأسرار الخلقة .فهذه الآيات تحاول أن تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه من خلال الإشارة إلى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور الإيمان في قلوب الناس ،فتشير أوّلا إلى البرق ( هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً )
فالبرق بشعاعه يبهر العيون من جانب ،ويحدث صوتاً مخيفاً وهو الرعد من جانب آخر ،وقد يسبّب أحياناً الحرائق للناس وخصوصاً في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس ،وبين هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة .ثمّ تضيف الآية ( وينشئ السحاب الثقال ) القادرة على ارواء ظمأ الأراضي الزراعية .
بركات الرعد والبرق:
نحن نعلم أنّ ظاهرة البرق في المفهوم العلمي هي اقتراب سحابتين إحداهما من الأُخرى ،وهما تحملان شحنات سالبة وموجبة ،فيتمّ تفريغ الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة ،ويحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب والآخر موجب ،وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتاً خفيفاً ،ولكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الألكترونات فانّهما تحدثان صوتاً شديداً يسمّى الرعد .
وإذا ما اقتربت سحابة تحمل الشحنة الموجبة من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصاعقة ،وخطورتها تكمن في أنّ الأرض والمناطق المرتفعة تعتبر رأس السلك السالب ،حتّى الإنسان في الصحراء يمكن أن يمثّل هذا السلك فيحدث تفريغ للشحنات يحوّل الإنسان إلى رماد في لحظة واحدة ،ولهذا السبب عند وقوع البرق والرعد في الصحراء يجب أن يلجأ الإنسان إلى شجرة أو حائط أو إلى الجبال أو إلى أي مرتفع آخر ،أو أن يستلقي في أرض منخفضة .
وعلى أيّة حال فإنّ للبرقالذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعةفوائد جمّة عُرِفت من خلال ما كشفه العلم الحديث .ونشير هنا إلى ثلاثة منها:
1السقي: من الطبيعي أنّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّاً قد تصل بعض الأحيان إلى ( 15 ) ألف درجة مئوية ،وهذه الحرارة كافية لأن تحرق الهواء المحيط بها ،وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي ،فيسبّب سقوط الأمطار .ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق .
وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق ( السقي ) .
2التعقيم: ونتيجةً للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الأوكسجين في قطرات الماء ،ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل أو الماء المؤكسد ( H2O2 ) ومن آثاره قتل المكروبات ،ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح ،فعند نزول هذه القطرات إلى الأرض سوف تُبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية ،ولهذا السبب يقال أنّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد .
3التغذية والتسميد: تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون ،وعند نزولها إلى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعاً من السّماد النباتي ،فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق .
يقول بعض العلماء: إنّ مقدار ما ينتجه البرق من الأسمدة في السنة يصل إلى عشرات الملايين من الأطنان ،وهذه كميّة كبيرة جدّاً .
وعلى أيّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات ،فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية ،فيمكن أن تكون دليلا واضحاً لمعرفة الله ،كلّ ذلك من بركات البرق .كما أنّه يمكن أن يكون البرق عاملا مهمّاً في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة ،وقد تحرق الإنسان أو الأشجار ،ومع أنّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها ،فهي مع ذلك عامل خوف للناس ،فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون إشارة إلى جميع هذه الأُمور .
ويمكن أن تكون الجملة ( وينشئ السحاب الثقال ) لها علاقة بالبرق الذي يصنع هذه الغيوم المليئة بالمياه .