الآية الأخيرة تذكر انشداد هؤلاء بالأرض وحرصهم الشديد على المال والمتاع:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ عَلى حَيَاة} وتذكر الآية أن حرصهم هذا يفوق حرص الذين أشركوا:{وَمِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا} .
المشركون ينبغي أن يكونوا أحرص من غيرهم على جمع المال والمتاع ،لكن هؤلاء من أصحاب الإدعاءات الفارغة ،بلغوا من الحرص ما لم يبلغه المشركون .
وبلغ شغفهم بالدنيا أنّه{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَو يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَة} لجمع مزيد من متاع الدنيا ،أو خوفاً من عقاب الآخرة !لكن هذا العمر الذي يتمناه كل واحد منهم لا يبعده عن العذاب ،ولا يغيّر من مصيره شيئاً{وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أنْ يُعَمَّرَ} إذ كل شيء محصى لدى الله ،ولا يعزب عن علمه شيء{واللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} .
1المقصود من الأعوام الألف في قوله تعالى:{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَو ْيُعَمَّرُ ألْفَ سَنَة} ليس هذا العدد المعروف ،بل يعني العمر الطويل المديد ،فهو ليس للتعدد ،بل للتكثير .
وذهب بعض المفسرين إلى أن العرب لم تكن تعرف آنذاك عدداً أكبر من الألف ،ولم يكن لما يزيد على الألف اسم عند العرب ،ولذلك كان أبلغ تعبير عن الكثرة !{[167]} .
2تنكير الحياة في تعبير الآية{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَيَاة} تفيدكما ذهب إلى ذلك جمع من المفسرينالإستهانة والتحقير ،أي إن هؤلاء حريصون حتى على أتفه حياة وأرخصها وأشقاها ،ويفضلونها على الآخرة{[168]} .
3إفرازات العنصرية:
كان التعصّب العنصري وراء كثير من الحروب والمآسي التي حدثت على الساحة البشرية خلال جميع عصور التأريخ ،وفي عصرنا الحديث كان التعصب العرقي الألماني عاملا فعالا في إشعال لظى الحربين العالميتين الأولى والثانية .
واليهود يحتلون دون شك مكان الصدارة بين العنصريين المتعصبين على مرّ التأريخ ،وها هي دويلتهم المسماة بإسرائيل أُقيمت على أساس هذه العنصرية المقيتة ،وما يرتكبه هذا الكيان العنصري الصهيوني من جرائم فظيعة إنما هو استمرار لجرائمه التأريخية الناشئة عن عنصريته البغيضة .
لقد دفعتهم عنصريتهم لأن يحتكروا حتّى تعاليم موسى ،ويزيلوا عنصر الدعوة من دينهم ،كي لا يعتنق تعاليمهم أحد غيرهم .
وهذه النزعة الأنانية هي التي جعلت هؤلاء القوم منبوذين ممقوتين من قبل كل شعوب العالم .
التعصب العنصري شعبة من الشرك ،ولذلك حاربه الإِسلام بشدّة ،مؤكداً أن كل أبناء البشر من أب واحد وأم واحدة ،ولا تمايز إلاّ بالتقوى والعمل الصالح .
4عوامل الخوف من الموت:
أكثر النّاس يخافون من الموت ،وخوفهم هذا يعود إلى عاملين:
1الخوف من الفناء والعدم ،فالذين لا يؤمنون بالآخرة لا يرون بعد هذه الحياة استمرارا لحياتهم ،ومن الطبيعي أن يخاف الإنسان من الفناء ،وهذا الخوف يلاحق هؤلاء حتى في أسعد لحظات حياتهم فيحوّلها إلى علقم في أفواههم .
2الخوف من العقاب ،ومثل هذا الخوف يلاحق المذنبين المؤمنين بالآخرة ،فيخافون أن يحين حينهم وهم مثقلون بالآثام والأوزار ،فينالوا جزاءهم ،ولذلك يودّون أن تتأخّر ساعة انتقالهم إلى العالم الآخر .
الأنبياء العظام أحيوا في القلوب الإيمان باليوم الآخر ،وبذلك أبعدوا شبح الفناء والإنعدام من الأذهان ،وبينوا أن الموت انتقال إلى حياة أبدية خالدة منعّمة .
من جهة أخرى دعا الأنبياء إلى العمل الصالح ،كي يبتعد الإنسان عن الخوف من العقاب ،ولكي يزول عن القلوب والأذهان كل خوف من الموت .