/م94
المفردات:
يعمر: يطول عمره .
بمزحزحه: بمبعده من العذاب .
البصير: العالم بكنه الشيء الخبير به .
التفسير:
96- ولتجدنهم أحرص على الحياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة .أي أنهم يحبون الإخلاد إلى الأرض ،ويعملون كل ما يوصلهم إلى البقاء فيها فلا ثقة لهم بأنفسهم فيما يزعمون ،وتلك سيرتهم في كل زمان الكلام مع من كان في عصر التنزيل .
وهكذا نجد القرآن ،يرسل من الحجاج ،فيشاغبون ويعاندون ،اعتزازا بشعبهم ،واعتزازا بكتابهم .
ومن الذين أشركوا: أي وهم أشد حرصا على الحياة من الذين أشركوا ،ولم يؤمنوا بالله ولا باليوم الأخر ،وفي هذا توبيخ وإيلام عظيم لهم ،إذ المشركون لا يؤمون ببعث ،ولا يعرفون إلا هذه الحياة الدنيا ،فحرصهم عليها ليس بالغريب ،أما من يؤمن بالكتاب ويقر بالجزاء فمن حقه ألا يكون شديد الحرص عليها .
وقوله: ومن الذين أشركوا: معطوف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل: أحرص من الناس ومن الذين أشركوا ،فقوله: أحرص الناس فيه كلمة ( من ) مقدرة بعد أحرص .
قال صاحب الكشاف: وفيه توبيخ عظيم ،لأن الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة ،ولا يعرفون إل الحياة الدنيا ،فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم ،فإذا زاد عليها في الحرص من له من الكتاب وهو مقر بالجزاء ،كان حقيقا بأعظم التوبيخ ،فإن قلت: لم زاد حرصهم على حرص المشركين ؟
قلت: إنهم عملوا بأنهم صائرون إلى النار ولا محالة ،والمشركون لا يعلمون ذلك ،وقيل: أراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون لملوكهم: عش ألف نيروز ،وألف مهرجان( 233 ) .
يود أحدهم لو يعمر ألف سنة: أي بلغ من شدة غلوهم في الحرص على الحياة ،أن الواحد منهم يتمنى أن يعيش السنين الكثيرة ،ولو تجاوزت الحد الذي يبلغه الإنسان في العادة ،فكلمة ( ألف سنة ) كناية عن المدة الطويلة التي يود أن يحياها ،وليس المراد خصوصا العدد ،لأن العرب تذكر الألف وتريد الكثرة .
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ،وما ذلك التعمير لو تم ،بنافعه ولا مبعده من عذاب الله المحتوم ،لأنه لا بد من الموت والعرض على الله ،ليجازى على ما قدم في دنياه .
والله بصير بما يعملون: أي والله عالم بأعمالهم ،محيط بما يخفون وما يعلنون ،وسيجازيهم على كل ذك بما يستحقون .
ومن هذا العرض للآيات الكريمة نرى أنها قد ردت على اليهود زعمهم الباطل بأن الجنة خالصة لهم ،فأبطلت حجتهم وكشف مزاعمهم ،وأخرست ألسنتهم ،وبينت أن الجنة لمن أسلم وجهه لله وهو محسن ،وهم ليسوا من هذا النوع من الناس ،ولذلك حرصوا على الحياة وفزعوا من الموت ،بسبب ما ارتكبوا من سيئات وما اقترفوا من آثام ( 234 ) .