التّفسير:
صرحت الآية الأُولى من هذه الآيات الثلاث بتفنيد كلّ المزاعم اليهودية حول تحريم بعض أنواع الطعام الطيب ( مثل لحوم الإبل وألبانها ) وردت على هذه الكذبة بقولها: ( كلّ الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلاَّ ما حرّم إسرائيل{[614]} على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ) .
أما لماذا حرّم يعقوب على نفسه بعض الأطعمة ؟وما هو نوع الأطعمة التي حرمها على نفسه فلم يرد في الآية أي توضيح بشأنها ،بيد أن المستفاد من الروايات الإسلامية هو أن يعقوب كانكما قيلكلّما أكل من لحم الإبل أخذه وجع العرق الذي يقال له عرق النساء{[615]}فعزم إن شفاه الله على أن يحرم لحم الإبل على نفسه ،فاقتدى به أتباعه في هذا ،حتّى اشتبه الأمر على من أتوا من خلفهم فيما بعد فتصور بعض أنه تحريم إلهي ،فاعتبروا ذلك حكماً ونسبوه إلى الله ،وادعوا بأنه حرم عليهم لحم الإبل ،فنزلت الآية تفند هذا الزعم ببيان علّة الالتباس ،وتصرّح بأن نسبه هذا التحريم إلى الله سبحانه محض اختلاق .
وعلى هذا فقد كان كلّ الطعام حلالاً ،ولم يكن شيء من الطيبات منه حراماً على بني إسرائيل قبل نزول التوراة ،كما يفيد قوله سبحانه ( من قبل أن تنزل التوراة ) وإن كان قد حرمتبعد نزول التوراة ومجيء موسى بن عمرانبعض الأطعمة الطيبة ،على اليهود لظلمهم وعصيانهم ،تنكيلاً بهم ،وجزاءً لظلمهم .
وتأكيداً لهذه الحقيقة أمر الله نبيه في هذه الآية أن يطلب من اليهود بأن يأتوا بالتوراة الموجودة عندهم ويقرأوها ليتبين كذب ما ادعوه ،وصدق ما أخبر به الله حول حلية الطعام الطيب كله إذ قال: ( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) .
ولكنّهم أعرضوا عن تلبية هذا الطلب لعلمهم بخلو التوراة عن التحريم الذي أدعوه .