/م1
ثمّ يستعرض تعالى حكم الظهار بجمل مختصرة وحاسمة تقضي بقوّة على هذا المفهوم الخرافي حيث يقول سبحانه: ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أُمّهاتهم إن أمهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم ) .
«الأم » و «الولد » ليس بالشيء الذي تصنعه الألفاظ ،بل إنّهما حقيقة واقعية عينية خارجية لا يمكن أن تكون من خلال اللعب بالألفاظ ،وبناءً على هذا فإذا حدث أن قال الرجل لزوجته مرّةً: ( أنت عليّ كظهر أمي ) فإنّ هذه الكلمة لا تجعل زوجته بحكم والدته ،إنّه قول هراء وحديث خرافة .
ويضيف تعالى مكمّلا الآية: ( وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزوراً ){[5132]} .
وبالرغم من أنّ قائل هذا الكلام لا يريد بذلك الإخبار ،بل إنّ مقصوده إنشائي ،يريد أن يجعل هذه الجملة بمنزلة ( صيغة الطلاق ) إلاّ أنّ محتوى ذلك واه ،ويشبه بالضبط خرافة ( جعل الولد ) حين كانوا في زمن الجاهلية يتبنّون طفلا معيّناً كولد لهم ،ويجرون أحكام الولد عليه ،حيث أدان القرآن الكريم هذه الظاهرة واعتبرها عملا باطلا ولا أساس له ،حيث يقول عزّ وجلّ: ( ذلك قولهم بأفواههم ){[5133]} ،وليس له أي واقعية .
وتماشياً مع مفهوم هذه الآية فإنّ «الظهار » عمل محرّم ومنكر ،ومع أنّ التكاليف الإلهية لا تشمل الممارسات السابقة ،إلاّ أنّها ملزمة لحظة نزول الحكم ،ولابدّ عندئذ من ترتيب الأثر ،حيث يضيف الله سبحانه هذه الآية: ( وإنّ الله لعفو غفور ) .
وبناءً على هذا فإذا كان المسلم قد ارتكب مثل هذا العمل قبل نزول الآية فلا بأس عليه لأنّ الله سيعفو عنه .
ويعتقد بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ «الظهار » ذنب مغفور الآن ،كما في الذنوب الصغيرة حيث وعد الله بالعفو عنها{[5134]}في صورة ترك الكبائرإلاّ أنّه لا دليل على هذا الرأي ،والجملة أعلاه لا تقوى أن تكون حجّة في ذلك .
وعلى كلّ حال فإنّ مسألة الكفّارة باقية بقوّتها .
وفي الحقيقة أنّ هذا التعبير شبيه لما جاء في الآية ( 5 ) من سورة الأحزاب ،حيث يقول سبحانه: ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً ) .
وذلك بعد نهيه عن مسألة التبنّي .
ويثار تساؤل عن الفرق الموجود بين ( العفوّ ) و ( الغفور ) .
قال البعض: ( العفو ) إشارة إلى الله تعالى ( الغفور ) إشارة إلى تغطية الذنوب إذ إنّ من الممكن أن يعفو شخص عن ذنب ما ،ولكن لا يستره أبداً ،غير أنّ الله تعالى يعفو ويستر في نفس الوقت .
وقيل أنّ «الغفران » هو الستر من العذاب ،حيث أنّ مفهومها مختلف عن العفو بالرغم من أنّ النتيجة واحدة .
/خ4