/م1
ثمّ يتحدّث القرآن مع زوجتي الرّسول اللتين كانتا وراء هذا الحادث بقوله: ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) .
وقد اتّفق المفسّرون الشيعة والسنّة على أنّ تلك الزوجتين هما «حفصة بنت عمر » و «عائشة بنت أبي بكر » .
«صغت » من مادّة «صغو » على وزن «عفو » بمعنى الميل إلى شيء ما ،لذلك يقال «صغت النجوم » «أي مالت النجوم إلى الغروب » ولهذا جاء اصطلاح «إصغاء » بمعنى الاستماع إلى حديث شخص آخر .والمقصود من «صغت قلوبكما » أي مالت من الحقّ إلى الباطل وارتكاب الذنب{[5337]} .
ثمّ يضيف تعالى: ( وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) .
ويتّضح من هذا كم تركت هذه الحادثة من أثر مؤلم في قلب الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )وروحه العظيمة ،ورغم قدرة الرّسول المتكاملة نشاهد أنّ الله يدافع عنه إذ يعلن حماية جبرائيل والمؤمنين له .
ومن الجدير بالذكر أنّه ورد في صحيح البخاري ( ما مضمونه ) عن ابن عبّاس أنّه قال: سألت عمر: من كانت المرأتان اللتان تظاهرتا على النبي من أزواجه ،فقال: تلك حفصة وعائشة ،قال: فقلت والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا قال: فلا تفعل ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني فإن كان لي علم خبّرتك به ،قال ثمّ قال عمر: والله إن كنّ في الجاهلية ما تعدّ للنساء أمراً حتّى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم ..»{[5338]} .
وفي تفسير الدرّ المنثور ،ورد أيضاً عن ابن عبّاس ضمن حديث مفصّل أنّه قال: قال عمر: « ..علمت بعد هذه الحادثة أنّ النبي اعتزل جميع النساء ،وأقام في «مشربة أُمّ إبراهيم » ،فأتيته وقلت: يا رسول الله هل طلّقت نساءك ؟قال: لا .قلت: الله أكبر ،كنّا معشر قريش نغلب النساء ،فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم ،فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ،فغضبت على امرأتي يوماً فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر من ذلك فوالله إنّ أزواج النبي ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل ..فقلت لابنتي حفصة لا تفعلي ذلك أبداً وإن فعلته جارتك ( يعني عائشة ) لأنّك لست هي ..»{[5339]} .
في آخر آية من هذه الآيات يخاطب الله تعالى جميع نساء النبي بلهجةلا تخلو من التهديد: ( عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيّبات وأبكاراً ) .
لذا فهو ينذرهنّ ألاّ يتصورن أنّ الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سوف لن يطلّقهن ،أو يتصوّرن أنّ النبي لا يستبدلهنّ بنساء أخريات أفضل منهنّ ،وذلك ليكففن عن التآمر عليه وإلاّ فسيحرمن من شرف منزلة «زوجة الرّسول » إلى الأبد ،وستأخذ نساء أخريات أفضل منهنّ هذا اللقب الكريم .
/خ4